﴿ ولله ميراث السموات والأرض ﴾ أي إنهما راجعتان إليه، يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باق لأحد من مال وغيره، يعني وأي غرض لكم في ترك الانفاق في سبيل الله والجهاد مع رسوله-صلى الله عليه وسلم -، ثم بيًن التفاوت بين المنفقين منهم فقال:﴿ لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل ﴾ وهم السابقون الأولون من المهاجرين والانصار، الذين قال فيهم النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (١)
هؤلاء أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقالوا وكل واحد من الفريقين وعده الله المثوبة الحسنى وهي الجنة، مع تفاوت الدرجات، ﴿ والله بما تعملون خبير ﴾لا يخفى عليه من ذلك شيء
ثم يختم الله- عز وجل- هذه الآيات البينات بالحض والترغيب الشديد في الصدقة فقال:﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ﴾؟ أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله، فيضاعفه له أضعافا كثيرة إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، ومجرد تصور المسلم أنه هو الفقير الضئيل يقرض ربه، كفيل بأن يطير به إلى البذل طيرانا ! إن الناس ليتسابقون عادة إلى إقراض الثري المليء منهم - وهم كلهم فقراء - لأن السداد مضمون. ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثري المليء ! فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد ؟!
وهذه الآية الكريمة- كما يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي:(٢)
" قد اشتملت على ألوان من الحض على الإنفاق في وجوه الخير، ومن ذلك:
التعبير بالاستفهام فى ذاته، لأنه للتنبيه وبعث النفوس إلى التدبر والاستجابة.
ومن ذلك-أيضا- التعبير بقوله:﴿ من ذا الذى...﴾ إذ لاستفهم بتلك الطريقة إلا إذا كان المقام ذا شأن وخطر، وكأن المخاطب لعظم شأنه، من شأنه أن يشار إليه، وأن يجمع له بين اسم الإشارة وبين اسم الموصول.
ومن ذلك تسميته ما يبذله الباذل قرضا، ولمن هذا القرض؟إنه لله الذى له خزائن السموات والأرض.
فكأنه- تعالى- يقول: أقرضتموني مما أعطيتكم، وسأضاعف لكم هذا القرض أضعافا مضاعفة، يوم القيامة،﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا...﴾(٣).
ومن ذلك إخفاء مرات المضاعفة، وإضافة الأجر الكريم إليها.

(١) مسلم ك / فضائل الصحابة – رضي الله عنهم – ب / تحريم سب الصحابة – رضي الله عنهم – حديث رقم / ٢٥٤٠.
(٢) التفسير الوسيط: ١٤/٢٦٥ وما بعدها.
(٣) سورة آل عمران، من الآية/ ٣٠.


الصفحة التالية
Icon