وعطف- سبحانه- "المؤمنات" على "المؤمنين" للتنبيه على أن كلا من الذكر والأنثى، له أجره على عمله الصالح، بدون إجحاف أو محاباة لجنس على جنس، كما قال - تعالى- :﴿من عمل صالحا من ذكرأوانثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾.(١)
وقوله تعالى:﴿ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾.
السعي ما هو؟السعي هو المشي السريع وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا، قال تعالى:﴿وسعى لها سعيها﴾وقال:﴿ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ وأكثر ما يستعمل السعي في الأفعال المحمودة.(٢)
وخص تعالى بين الأيدي بالذكر، لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور.
واختلف في قوله تعالى:﴿ وبأيمانهم﴾ فقال بعض المتأولين: المعنى وعن أيمانهم فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفا، وناب ذلك مناب أن يقول: وفي جميع جهاتهم وقال جمهور المفسرين: المعنى يسعى نورهم بين أيديهم، يريد الضوء المنبسط من أصل النور، وبإيمانهم أصله، والشيء الذي هو متقد فيه، فتضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار، وكونهم غير حاملين أكرم.(٣)
وقوله تعالى:﴿ بشراكم ﴾أي يقال: بشراكم جنات، أي دخول جنات
فبشراكم إذن: مبتدأ، وخبره: جنات على تقدير مضاف، أي دخول جنات، والجملة مقول قول مقدر، أي يقال لهم هذا، والقائل لهم: هم الملائكة.
قال المفسرون:(٤) يضيء لهم نور عملهم على الصراط على قدر أعمالهم
قال ابن مسعود منهم من نوره مثل الجبل وأدناهم نورا نوره على إبهامه يطفئ مرة ويتقد أخرى.
وفي قوله تعالى:﴿ وبأيمانهم قولان﴾:
أحدهما: أنه كتبهم يعطونها بأيمانهم، قاله الضحاك.
والثاني: أنه نورهم يسعى، أي يمضي بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم والباء بمعنى في.
وانما قال بين ايديهم وبأيمانهم، لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما ان الاشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم، فيجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية، لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا، أو بصحائفهم البيض أفلحوا، فاذا ذهب بهم إلى الجنة وسروا على الصراط يسعون سعى بسعيهم ذلك النور، وتقول لهم الملائكة بشراكم اليوم جنات، أي دخول جنات.(٥)

(١) الآية / ٩٧، من سورة النحل.
(٢) أنظر: مفردات الراغب٢٣٨وما بعدها
(٣) تفسير الثعالبي ج: ٤ ص: ٢٦٣
(٤) زاد المسير ج: ٨ ص: ١٦٥
(٥) تفسير النسفي ج: ٤ ص: ٢١٦


الصفحة التالية
Icon