مناسبة الآيات الكريمات لما قبلها
فى الآية السابقة كان الحديث عن المؤمنين والمؤمنات فى هذه الصورة المشرقة والتى ينشدها ويتطلع إليها أهل السعادة –نسأل الله أن نكون منهم-
وفى هذه الآيات الكريمات الحديث عن المنافقين والمنافقات، والحوار الذى دار بينهم وبين المؤمنين، حيث يناشدون المؤمنين بالنظر إليهم، أو الانتظار لعلهم يقتبسون من نورهم، ولكن هيهات لهم أن يجدوا ذلك، لأنهم ما قدموا لأنفسهم في حياتهم الدنيوية من خير قط. فالمناسبة - إذن- واضحة في ذكر الترهيب بعد الترغيب.
تحليل المفردات والتراكيب
قوله تعالى:﴿يوم يقول المنافقون والمنافقات﴾ بدل من﴿ يوم ترى﴾ وجوز أن يكون معمولا لأ ذكر، وقال ابن عطية : يظهر لي أن العامل فيه﴿ ذلك هو الفوز العظيم﴾ ويكون معنى الفوز عليه أعظم، كأنه قيل: إن المؤمنين يفوزون يوم يعتري المنافقين والمنافقات كذا وكذا، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه مضادة أبدع وأفخم.(١)
النفاق : هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي، وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي، وهو من أكبر الذنوب.(٢)
قوله تعالى:﴿ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾أي انتظرونا نقتبس من نوركم،
وأصل الأقتباس: طلب القبس، أي الجذرة من النار، وجوز أن يكون المعنى: انظروا إلينا نقتبس... الخ، لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، والنور بين أيديهم فيستضيئون به، فانظرونا على الحذف والإيصال، لأن النظر بمعنى مجرد الرؤية يتعدى بإلى، فإن أريد التأمل تعدى بفي، لكن حمل الآية على حذف ذلك خلاف الظاهر، وقولهم للمؤمنين ذلك، لأنهم في ظلمة لا يذرون كيف يمشون
فيها.(٣)
وفي حديث آخر مرفوع :﴿أن نور المنافق يطفأ قبل أن يأتي الصراط﴾.
وقرأ زيد بن علي وأبو وثاب والأعمش وطلحة وحمزة ﴿أنظرونا﴾ بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء، من النظرة وهي الإمهال، يقال: أنظر المديون، أي أمهله
وقيل: هو من أنظر، أي أخر، والمراد اجعلونا في آخركم ولا تسبقونا، بحيث تفوتونا ولا نلحق بكم،
: وقال المهدوي أنظرونا وأنظرونا وهما من الانتظار، تقول العرب : أنظرته بكذا وانتظرته بمعنى واحد، والمعنى أمهلونا،
قيل القائلون على ما روي عن ابن عباس: المؤمنون،
وعلى ما روي عن مقاتل الملائكة- عليهم السلام-

(١) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٧٦
(٢) تفسير ابن كثير ج: ١ ص: ٤٨
(٣) المصدر السابق ونفس الجزء والصفحة.


الصفحة التالية
Icon