بعد أن حث الله- عز وجل- المؤمنين في الآيات السابقة، على أن يروضوا أنفسهم على خشيته- تعالى- وتحذيرهم من أن ينهجوا نهج أهل الكتاب في قسوة القلوب
بين بعد ذلك، ما أعده من ثواب للمؤمنين الصادقين، الذين يبذلون الأموال ابتغاء وجهه فقال: ﴿ إِنَّ الْمُصَّدقِينَ وَالْمُصَّدقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيم ﴾.
تحليل المفردات والتراكيب:
قوله تعالى :﴿ إن المصدقين والمصدقات﴾المصدقين، بتشديد الدال، اسم فاعل من صدق، وهم الذين صدقوا الله ورسوله، يعني المؤمنين،
قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: بتخفيف الصاد فيها من التصديق، أي من المصدقين بما أنزل الله- تعالى -
وقرأ الباقون بالتشديد(أي بتشديد الصاد والدال) وهو اسم فاعل من تصدق، أي المتصدقين والمتصدقات، فأدغمت التاء في الصاد، وكذلك في مصحف أبي، وهو حث على الصدقات، ولهذا قال:﴿ وأقرضوا الله قرضا حسنا﴾أي بالصدقة والنفقة في سبيل الله.
قال الحسن : كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع.
وقيل : هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسبا صادقا.
وإنما عطف بالفعل على الاسم[ أي قوله: وأقرضوا، على قوله: إن المصدقين]
لأن ذلك الاسم في تقدير الفعل، أي إن الذين صدقوا وأقرضوا يضاعف لهم أمثالها، وقراءة العامة: بفتح العين على ما لم يسم فاعله، وقرأالأعمش:(يضاعفه) بكسر العين وزيادة هاء، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب: (يضعف) بفتح العين وتشديدها وقوله تعالى:﴿ ولهم أجر كريم﴾ يعني الجنة.(١)
[ لهم: جار ومجرور، خبر مقدم، وأجر: مبتدأ مؤخر، وكريم: صفة هذا المبتدأ،
أي لا يعلم مقداره، إلا علام الغيوب- سبحانه وتعالى- ].
قوله تعالى :﴿ والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾
اختلف في(الشهداء)، هل هو مقطوع مما قبل، أو متصل به؟
قال مجاهد، وزيد ابن أسلم : إن الشهداء والصديقين، هم المؤمنون، وأنه متصل وروي معناه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فلا يوقف على هذا على قوله (الصديقون) وهذا قول ابن مسعود في تأويل الآية،
قال القشيري: قال الله تعالى :﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين﴾

(١) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٥٢، و النسفي ج: ٤ ص: ٢١٨.


الصفحة التالية
Icon