" والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قول من قال: الكلام والخبر عن الذين آمنوا متناه عند قوله:﴿ أولئك هم الصديقون﴾ وإن قوله:﴿ والشهداء عند ربهم﴾ خبر مبتدأ عن الشهداء، وإنما قلنا : إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر، وأن الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد، لا بمعنى غيره، إلا أن يراد به شهيد، على ما آمن به وصدقه، فيكون ذلك وجها، وإن كان فيه بعض البعد، لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه إذا أطلق بغير وصل، فتأويل قوله:﴿ والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ﴾إذن والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، أو هلكوا في سبيله عند ربهم لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم".
وقوله:﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ خبر ثان للموصول على أنه جملة من مبتدأ وخبر،
أو( لهم ) الخبر وما بعده مرتفع به على الفاعلية، وضمير ( لهم ) للموصول، والضميران الأخيران للصديقين والشهداء،
والغرض: بيان ثمرات ما وصفوا به من نعوت الكمال، أي أولئك لهم مثل أجر الصديقين والشهداء، ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال،
وقد حذف أداة التشبيه، للتنبيه على قوة المماثلة، وبلوغها حد الاتحاد.(١)
وقوله تعالى﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا﴾ أي بجميع الآيات على اختلاف أنواعها، وهو إشارة إلى كفرهم بجميع الرسل – عليهم السلام-
﴿أولئك أصحاب الجحيم ﴾ أي الموصوفون بتلك الصفة القبيحة، هم أصحاب الجحيم، بحيث لا يفارقونها أبدا.
المعنى الإجمالي
يبين الله- عز وجل- في هذا النص الكريم، ما أعده للمؤمنين الصادقين الذين يبذلون أموالهم في سبيله، بدون من ولا أذى، هؤلاء يضاعف لهم الدرجات وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،
وقد رغب النبي – ﷺ – أمته عامة، وصحابته خاصة، إلى الصدقة والإنفاق في سبيل الله- عز وجل-
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- :﴿ من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل﴾.(٢)
(٢) الحديث متفق عليه، ومعنى بعدل تمرة: أي بقيمتها، و( الفلو) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، ويقال أيضا : بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو: وهو المهر( رياض الصالحين، للإمام النووي / ص٢٥٠ ).