لما ذكر حال الفريقين فى الآخرة، حقر أمور الدنيا، بأنها مما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل، بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال، لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جدا أتعاب الصبيان فى الملاعب من غير فائدة، ولهو يلهون به أنفسهم، وزينة كالملابس الحسنة، والمراكب البهية، والمنازل الرفيعة، وتفاخر بالأنساب، وتكاثر بالعدد، ثم قرر ذلك بقوله:﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً﴾ وهو تمثيل لها فى سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث، فاستوى وأعجب به الحراث أو الكافرون بالله لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا، ولأن المؤمن إذا رأى أمرا معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجابا، ثم هاج أى يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاما، ثم عظم أمور الآخرة بقوله:﴿ وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾تنفيرا عن الانهماك في الدنيا، وحثا على ما يوجب كرامة العقبى، ثم أكد ذلك بقوله:﴿ وَمَغْفِرَةٌ منَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾.(١)
ويقول الإمام القرطبي فى وجه ارتباط الآية بما قبلها:(٢) " وجه الاتصال، أن الإنسان قد يترك الجهاد خوفا على نفسه من القتل، وخوفا من لزوم الموت، فبين أن الحياة الدنيا منقضية، فلا ينبغي أن يترك أمر الله، محافظة على ما لا يبقى"
تحليل المفردات والتراكيب
قوله تعالى:﴿إعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَلأَوْلاَدِ﴾
﴿ما﴾ صلة تقديره : اعلموا أن الحياة الدنيا لعب باطل، ولهو فرح، ثم ينقضي.
واللعب: هو الباطل، واللهو: كل شيء يتلهى به ثم يذهب.
قال قتادة: لعب ولهو، أكل وشرب، وقال مجاهد: كل لعب لهو.
وقيل اللعب: ما رغب في الدنيا، واللهو: ما ألهى عن الآخرة وشغل عنها، وقيل اللعب: الاقتناء واللهو: النساء
والزينة: التزين بمتاع الدنيا من دون عمل للآخرة.
﴿وتفاخر بينكم﴾ قرأ الجمهور بتنوين تفاخر، والظرف صفة له، أو معمول له، وقرأ السلمي بالإضافة، أي يفتخر به بعضكم على بعض، وقيل يتفاخرون بالخلقة والقوة وقيل بالأنساب والأحساب كما كانت عليه العرب.
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٥٤