قال الفراء : التقدير في الآية : إما عذاب شديد، وإما مغفرة، فلا يوقف على شديد.
ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا فقال:﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ لمن اغتر بها ولم يعمل لآخرته
قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خبر منه.
وهذه الجملة مقررة للمثل المتقدم ومؤكدة له.(١)
المعنى الإجمالي
في هذه الآية الكريمة يعظ الله عباده، ويبين لهم حقيقة هذه الحياة، فما هي إلا كما وصفها ربنا العليم الحكيم، هذا الوصف الدقيق :﴿ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَلأَوْلاَدِ ﴾ والتفاخر بالأموال والأنساب وغير ذلك على عادة الجاهلية،
ثم ضرب الله - عز وجل - مثل الدنيا فقال:﴿ كمثل غيث..﴾الآية، وصورة هذا المثال، أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك فيشب في النعمة، ويقوى ويكسب المال والولد، ويغشاه الناس ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط ويشيب ويضعف ويسقم، وتصيبه النوائب في ماله وذريته ويموت ويضمحل أمره، وتصير أمواله لغيره، وتتغير رسومه، فأمره مثل مطر أصاب أرضا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق، ثم هاج أي يبس واصفر ثم تحطم ثم تفرق بالرياح واضمحل.
فالكافر يتزين بالدنيا ولا يعمل للآخرة، وكذلك من تزين في غير طاعة الله وتفاخر بينكم، أي يفخر بعضكم على بعض، وذلك على عادة العرب في المفاخرة والمباهاة بالآباء
وفي صحيح مسلم عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال :﴿ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد﴾
﴿ وتكاثر في الأموال والأولاد﴾ لأن عادة الجاهلية أن تتكاثر بالأبناء والأموال وتكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعة.
وعن علي- رضي الله- عنه قال لعمار :"لا تحزن على الدنيا، فإن الدنيا ستة أشياء مأكول، ومشروب، وملبوس، ومشموم، ومركوب، ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء، ويستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج، وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المسك، وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس، وعليها يقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء، وهو مبال في مبال، والله إن المرأة لتزين أحسنها، يراد به أقبحها"