ثم ضرب الله تعالى لها مثلا بالزرع في غيث فقال:﴿ كمثل غيث﴾ أي مطر أعجب الكفار نباته، الكفار هنا الزراع لأنهم يغطون البذر، والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن يصير هشيما كأن لم يكن، وإذا أعجب الزراع فهو غاية ما يستحسن،
وكما شبه الله-عز وجل- الحياة الدنيا فى هذه الآية الكريمة بالغيث وهو المطر، فكذلك شبهها بالماء المنزل من السماء حيث يقول – سبحانه- :﴿إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تكن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾ الآية/٢٤، من سورة يونس- عليه السلام-.
وقوله-سبحانه-:﴿واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا﴾
الآية/٤٥، من سورة الكهف.
وقد شبه النبي- صلى الله عليه وسلم- الدنيا بقوله:﴿ إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء﴾.(١)
" فقد شبه النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو أبلغ البلغاء- الدنيا من حيث الرغبة فيها والإقبال والتكالب عليها والميل بالكلية إليها بفاكهة(خضرة) المنظر ( حلوة) المذاق ".(٢)
ولقد أحسن القائل، وهو يصور لنا نظرة العقلاء للدنيا بقوله:
إن لله عبادا فطنا *
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا *
أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا *
صالح الأعمال فيها سفنا.(٣)
وبعد ما بين حقارة أمر الدنيا تزهيدا فيها وتنفيرا عن العكوف عليها، أشير إلى فخامة شأن الآخرة، وعظم ما فيها من اللذات والآلام، ترغيبا في تحصيل نعيمها المقيم، وتحذيرا من عذابها الأليم فقال:﴿ وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان﴾

(١) الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – ك /الذكر والدعاء ب / أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء حديث رقم / ٢٧٤٢.
(٢) من وصايا الرسول- ﷺ – للأستاذ / طه العفيفي/ م ٢ص٥٥٥.
(٣) رياض الصالحين: ص٢، والأبيات للإمام علي- رضي الله عنه-.


الصفحة التالية
Icon