وقيل المراد: سابقوا ملك الموت قبل أن يقطعكم بالموت عن الأعمال الموصلة، وقيل: سابقوا إبليس قبل أن يصدكم بغرووه وخداعه عن ذلك،
وقيل: سارعوا بالتوبة لأنها تؤدي إلى المغفرة.
والمراد بتلك الأسباب : الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها،
وعن علي- كرم الله تعالى وجهه- أنه قال في الآية : كن أول داخل المسجد، وآخر خارج. وقال عبد الله : كونوا في أول صف القتال. وقال أنس: أشهدوا تكبيرة الإحرام مع الإمام، وكل ذلك من باب التمثيل، واستدل بهذا الأمر على أن الصلاة بأول وقتها أفضل من التأخير.
ولا وجه لتخصيص ما في الآية بمثل هذا، بل هو من جملة ما تصدق عليه صدقا شموليا أو بدليا.
وقوله:﴿ وجنة عرضها كعرض السماء والأرض﴾ أي كعرضهما، وإذا كان هذا قدر عرضها فما ظنك بطولها،
قال الحسن: يعني جميع السموات والأرضين، مبسوطات كل واحدة إلى صاحبتها، وقيل المراد بالجنة التي عرضها هذا العرض : هي جنة كل واحد من أهل الجنة، وقال ابن كيسان : عني به جنة واحدة من الجنات.
والعرض أقل من الطول، ومن عادة العرب، أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله.
ومن ذلك قول الشاعر: كأن بلاد الله وهي عريضة
على الخائف المطلوب كفه حابل(١)
وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل الحيرة لعمر- رضي الله عنه - : أرأيت قول الله - عز وجل - :﴿وجنة عرضها كعرض السماء والأرض﴾ فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم الليل إذا ولى وجاء النهار، أين يكون الليل؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله.(٢)
وذكر العرض دون الطول، لأن كل ما له عرض وطول، فإن عرضه أقل من طوله، فإذا وصف عرضه بالبسطة، عرف أن طوله أبسط،
أو أريد بالعرض البسطة، وهذا ينفي قول من يقول:" إن الجنة في السماء الرابعة" لأن التي في إحدى السموات، لا تكون في عرض السموات والأرض.(٣)
والكلام على الاستعارة، أو المجاز المرسل، واستعمال اللفظ في لازم معناه، وإنما لزم ذلك، لأن اللازم أن يبادر من يعمل ما يكون سببا للمغفرة ودخول الجنة، لا أن يعمله أو يتصف بذلك سابقا على آخر.(٤)
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص٢٥٦وما بعدها.
(٣) تفسير النسفي ج: ٤ ص: ٢١٩.
(٤) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٨٥.