ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة، وفي هذا دليل على أن استحقاق الجنة يكون بمجرد الإيمان بالله ورسله، ولكن هذا مقيد بالأدلة الدالة على أنه لا يستحقها، إلا من عمل بما فرض الله عليه، واجتنب ما نهاه الله عنه، وهي أدلة كثيرة في الكتاب والسنة.(١)
وتقديم المغفرة على الجنة، لتقدم التخلية على التحلية.
﴿ أعدت للذين آمنوا بالله ورسله﴾ أي هيئت لهم.
واستدل بذلك: على أن الجنة موجودة الآن، لقوله تعالى :﴿ أعدت ﴾ بصيغة الماضي، والتأويل خلاف الظاهر وقد صرح بخلافه، في الأحاديث الصحيحة.
وعلى أن الإيمان وحده كاف في استحقاق الجنة، لذكره وحده، فيما في حيز ما يشعر بعلة الإعداد،
وإدخال العمل في الإيمان المعدى بالباء غير مسلم، كذا قالوا، ومتى أريد بالذين آمنوا المذكورين من لهم درجة في الإيمان يعتد بها، وقيل بأنها لا تحصل بدون الأعمال الصالحة.(٢)
يقول الحافظ ابن كثير(٣)
:" والجنة والنار موجودتان الآن، فالجنة معدة للمتقين، والنار معدة للكافرين، كما نطق بذلك القرآن العظيم، وتواترت بذلك الأخبار عن رسول الله رب العالمين، وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة – رحمهم الله أجمعين، المتمسكين بالعروة الوثقى، وهي السنة المثلى إلى قيام الساعة وخلافا لمن زعم أنهما لم يخلقا بعد وإنما يخلقان يوم القيامة، وهذا القول قاله من لم يطلع على الاحاديث المتفق على صحتها، وإخراجها في ((الصحيحين)) وغيرهما من كتب الإسلام المعتمدة المشهورة بالأسانيد الصحيحة والحسنة، مما لايمكن دفعه ولا رده، لتواتره واشتهاره.
قال الله تعالى:﴿... وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ﴾(٤)
وفى الصحيحين عن أبى هريرة، عن النبي – ﷺ – قال ((يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب يشر، دخرا بله ماأطلعكم عليه)).(٥)
(٢) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٨٥.
(٣) الفتن والملاحم/ ص٤٢١.
(٤) آل عمران/ ١٣٣.
(٥) البخاري(٤٧٨٠)، ومسلم(٣/٢٨٢٤)، واللفظ لمسلم. قال الحافظ فى الفتح(دخرا) بضم الدال المهملة وسكون المعجمة، أي جعلت ذلك لهم مدخورا( فتح الباري ٨/٥١٦ وقوله :( بل ما اطلعكم عليه) : دع عنك ما أطلعكم عليه فالذى لم يطلعكم عليه أعظم وكأنه أضرب عنه استقلالا له فى جنب مالم يطلع عليه. وقيل: معناه غير. وقيل: معناه كيف (صحيح مسلم يشرح النووي ١٧/١٦٦).