ويقول الإمام القرطبي:(١)" أعدت للذين آمنوا بالله ورسله شرط الإيمان لا غير وفيه تقوية الرجاء وقد قيل شرط الإيمان هنا وزاد عليه في آل عمران فقال أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس"
والإشارة بقوله:﴿ ذلك﴾ إلى الموعود من المغفرة والجنة.
وهو مبتدأ، وخبره،﴿ فضل الله يؤتيه من يشاء ﴾أي يعطيه من يشاء، إلا إعطاءه إياه وتفضلا وإحسانا. أي أن الجنة لا تنال ولا تدخل إلا برحمة الله تعالى وفضله
﴿والله ذو الفضل العظيم﴾ فهو يتفضل على من يشاء بما يشاء، ولا معقب لحكمه – سبحانه وتعالى -.(٢)
الموازنة بين آية سورة الحديد، وآية سورة آل عمران
ذكر النيسابوري في وجه التعبير هنا في سورة الحديد ب﴿ سابقوا﴾ وفي آية آل عمران(الآية/١٣٣) ب﴿ سارعوا ﴾وب ﴿ السماء ﴾ هنا، وب﴿ السماوات ﴾ هناك وب﴿ كعرض ﴾ هنا، وب﴿عرض﴾ هناك بدون أداة تشبيه، ثم كلاما مبنيا(أي قوله :"أعدت" فى الآيتين).
على أن المراد بالمتقين هناك : السابقون المقربون، وبالذين آمنوا هنا : هم دون أولئك حالا، فتأمل ذلك. (٣)
أي الذي وعد من المغفرة والجنة فضل الله عطاؤه، والغير الواجب عليه.
المعنى الإجمالي
يأمر الله – عز وجل – عباده فى هذه الآية الكريمة بالمسارعة إلى مامن شأنه أن يكون سببا فى مغفرة الله-عز وجل- وهي الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، ثم وصف سبحانه تلك الجنة بصفة أخرى فقال: ﴿أعدت للذين آمنوا بالله ورسله﴾
فهذه الجنة أعدها الله للذين آمنوا به ورسله، وهم الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمدا-صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا- وهذه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض، والتي أعدها الله للذين آمنوا بالله ورسله، فضل الله تفضل به على المؤمنين، تفضلا وإحسانا، وليس واجبا وإلزاما، فإن عذب عبدا من عباده، فمرجع ذلك إلى عدله- سبحانه وتعالى- وإن أدخله الجنة فبفضله وسعة رحمته، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه، وهو ذو الفضل العظيم عليهم بما بسط لهم من الرزق في الدنيا، ووهب لهم من النعم، وعرفهم موضع الشكر، ثم جزاهم في الآخرة على الطاعة بالجنة، فهو- سبحانه- لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، والخير كله بيده، وهو الكريم المطلق، والجواد الذي لا يبخل.
(٢) فتح القدير ج: ٥ ص: ١٧٦.
(٣) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٨٦.