بعد أن بين- سبحانه- فى الآيات السابقة، حال هذه الحياة التى ركن إليها الكافرون واطمأنوا بها، ودعا المؤمنين إلى أن تكون همتهم متجهة نحو الدار الآخرة، وذلك عن طريق التنافس بالأعمال الصالحة، ليكون ذلك سببا فى مغفرة الله – عز وجل – بين-سبحانه فى هذه الآيات أن كل شيئ فى هذه الحياة، خاضع لقضاء الله-عز وجل-، وأن الواجب على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء، صابرا عند البلاء.
وقد قيل(١) : إن هذه الآية تتصل بما قيل: وهو أن الله- سبحانه - هون عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتل وجرح، وبين أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على الأموال وما يقع فيها من خسران، فالكل مكتوب مقدر، لا مدفع له، وإنما على المرء امتثال الأمر، ثم أدبهم فقال :﴿ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ﴾أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فرغ منه، لم يأسوا على ما فاتهم منه.
تحليل المفردات والتراكيب :
"ما" في قوله تعالى:﴿ما أصاب من مصيبة﴾ نافية، و"من"مزيدة لتأكيد هذا النفي وإفادة عمومه، ومفعول أصاب محذوف تقديره مثلا: ما أصاب أحدا مصيبة.
"ولفظ مصيبة يدل على الشر، لأن عرفها ذلك. قال ابن عباس ما معناه: أنه أراد عرف المصيبة، وهو استعمالها فى الشر، وخصصها بالذكر، لأنها أهم على البشر"(٢)
وقيل المراد بها: جميع الحوادث من خير وشر.(٣)
والمصيبة- كما يعرفها العلامة الجرجاني فى تعريفاته فيقول-: "هي ما لا يلائم الطبع كالموت و نحوه ".(٤)
قال مقاتل : المصيبة فى الأرض أي بالقحط وقلة النبات والثمار، وقيل : الجوائح في الزرع.
﴿ولا في أنفسكم﴾أي بالأوصاب والأسقام، وقيل : إقامة الحدود، وقيل : ضيق المعاش وهذا معنى رواه ابن جريج
﴿ إلا في كتاب﴾المراد بالكتاب هنا يعني: اللوح المحفوظ.
والاستثناء فى هذا القول من أعم الأحوال.
﴿ من قبل أن نبرأها﴾ الضمير في نبرأها عائد على النفوس، أو إلى الأرض، أو إلى المصائب، أوإلى الجميع،
وقال ابن عباس: من قبل أن يخلق المصيبة، وقال سعيد بن جبير : من قبل أن يخلق الأرض والنفس.
والأحسن- كما يقول الحافظ ابن كثير- في تفسيره(٥): " عوده على الخليقة والبرية، لدلالة الكلام عليها ".
ومعنى نبرأها أي: نخلقها.
(٢) البحر المحيط: ١٠/١١١.
(٣) الجمل على الجلالين: ٤/٢٩٣.
(٤) التعريفات: ج: ١ ص: ٢٧٨.
(٥) تفسير ابن كثير: ج: ٤ ص: ٣١٤.