وجملة:﴿ من قبل أن نبرأها﴾ في محل جر صفة لكتاب.
" وكرر – سبحانه- حرف النفي فى قوله:﴿ولا فى أنفسكم﴾للإيماء إلى أن المصائب التى تتعلق بذات الإنسان، يكون أشد تأثرا واهتماما بها، أكثر من غيرها".(١)
وقوله تعالى:﴿ إن ذلك على الله يسير﴾ أي إن علمه- تعالى - الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها، سهل على الله- عز وجل - لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.(٢)
﴿ إن ذلك﴾ أي إثباتها في كتاب على الله - عز وجل - يسير، لاستغنائه فيه عن المدة.
وقوله تعالى:﴿ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها وتقديرها للكائنات قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطئكم لم يكن ليصيبكم، فلا تأسوا على ما فاتكم لأنه لو قدر شيء لكان، ولا تفرحوا بما آتاكم، أي جاءكم
وتفسير﴿ آتاكم ﴾أي أعطاكم، وكلاهما متلازم، أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم، فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا تفتخرون بها على الناس.
ولهذا، قال تعالى:﴿ والله لا يحب كل مختال فخور﴾ أي مختال في نفسه متكبر فخور، أي على غيره.
والمراد: نفي الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر، والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء ثواب الصابرين، ونفي الفرح المطغي الملهي عن الشكر، وأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله - تعالى - والأعتداد بها مع الشكر فلا بأس بهما.(٣)
﴿والله لا يحب كل مختال فخور﴾ أي لا يحب من اتصف بهاتين الصفتين، وهما الاختيال والافتخار، قيل هو ذم للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر، وقيل إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها،
وقيل المختال الذي ينظر إلى نفسه، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار
والأولى: تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي، ثم اللغوي، فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله.(٤)
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٦٠.
(٣) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٨٧.
(٤) تفسير أبي السعود ج: ٨ ص: ٢١١.