الله- عز وجل- هو الغني المطلق، وما عداه مفتقر إليه﴿ يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد* إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز﴾.(١)
إرسال الرسل بالبينات
قال الله تعالى:
﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز﴾.(٢)
مناسبة الآية لما قبلها:
بعد أن بين الحق- تبارك وتعالى- أن كل شيء فى هذا الكون خاضع لقضاء الله عز وجل وقدره- وهو مسطر فى اللوح المحفوظ، بيَن هنا أن حكمته- تعالى اقتضت أن يرسل الرسل للناس، ويؤيدهم بالمعجزات، ليكونوا بذلك سببا فى هداية الخلق.
تحليل المفردات والتراكيب:
قوله تعالى:﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات﴾
اللاَم هنا لام القسم، وقد دخل على الحرف(قد) وهو يفيد التحقيق، لدخوله على الفعل الماضي.
وأصل الرسل: الانبعاث على التؤدة، ويقال: ناقة رسلة سهلة السير وإبل مراسيل منبعثة انبعاثا سهلا، ومنه الرسول المنبعث وتصور منه تارة الرفق فقيل : على رسلك، إذا أمرته بالرفق، وتارة الانبعاث، فاشتق منه الرسول،
والرسول يقال تارة للقول المتحمل
كقول الشاعر: الا أبلغ أبا حفظ رسولا.
ونارة لمتحمل القول والرسالة.
والرسول يقال للواحد والجمع.
وجمع الرسول رسل. ورسل الله تارة يراد بها الملائكة وتارة يراد بها الأنبياء
فمن الملائكة قوله تعالى:﴿إنه لقول رسول كريم﴾.
ومن الأنبياء قوله تعالى:﴿وما محمد إلا رسول﴾.(٣)
والمراد بالرسل فى الآية الكريمة: قيل هم الملائكة إلى الأنبياء، وفيه بعد، لأنه لم ينزل بالكتب والأحكام على الرسل إلا جبريل، والحامل لهذا القول على هذا التفسير، تصحيح المعية فى قوله:﴿وأنزلنا معهم الكتاب﴾لأن الكتب إنما نزلت مع الملائكة.
وجمهور المفسرين على حمل الرسل على البشر، وعلى التأويل فى المعية، أي وأنزلنا الكتاب حال كونه آيلا وصائرا لأن يكون معهم إذا وصل إليهم فى الأرض، أوعلى أنها بمعنى إلى.(٤)
يقول العلامة أبو السعود(٥) :" ولقد أرسلنا رسلنا، أى الملائكة الى الأنبياء، أو الأنبياء الى الأمم، وهو الأظهر".
ومعنى البينات: أي المعجزات والحجج الباهرات والدلائل القاطعات.
(٢) الآية/٢٥، من السورة الكريمة.
(٣) مفردات الراغب ص٢٠٠.
(٤) الجمل على الجلالين٤/٢٩٤ وما بعدها.
(٥) ج: ٨ ص: ٢١٢.