أي جعلنا فيهم النبوة والكتب المنزلة على الأنبياء منهم، وقيل جعل بعضهم أنبياء، وبعضهم يتلون الكتاب ﴿فمنهم مهتد﴾ أي فمن الذرية من اهتدى بهدى نوح وإبراهيم،
وقيل المعنى: فمن المرسل إليهم من قوم الأنبياء مهتد بما جاء به الأنبياء من الهدى.
﴿ وكثير منهم فاسقون﴾أي خارجون عن الطاعة.
"والمراد بالفاسق هنا: قيل الذى ارتكب الكبيرة، سواء كان كافرا أولم يكن لإطلاق هذا الاسم، وهو يشمل الكافر وغيره.
وقيل المراد بالفاسق هنا : الكافر، لأنه جعل الفساق ضد المهتدين"(١).
وقوله سبحانه:﴿ وقفينا﴾ معناه: جئنا بهم بعد الأولين، وهو مأخوذ من القفا أي جيء بالثاني في قفا الأول، فيجيء الأول بين يدي الثاني.
وقوله سبحانه :﴿وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية﴾
الجعل في هذه الآية بمعنى الخلق.
وقوله:﴿ابتدعوها﴾صفة لرهبانية، وخصها بأنها ابتدعت، لأن الرأفة والرحمة في القلب ولا تكسب للإنسان فيها، وأما الرهبانية فهي أفعال بدن مع شيء في القلب، ففيها موضع للتكسب.
والمراد بالرأفة والرحمة: حب بعضهم في بعض وتوادهم.
والمراد بالرهبانية: رفض النساء واتخاذ الصوامع والديارات والتفرد للعبادات، وهذا هو ابتداعهم ولم يفرض الله ذلك عليهم لكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله.
﴿ ثم قفينا على آثارهم برسلنا﴾ أي اتبعنا على آثار الذرية، أو على أثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم إلىالأمم، كموسى وإلياس وداود وسليمان وغيرهم.
﴿ وقفينا بعيسى ابن مريم﴾ أي أرسلنا رسولا بعد رسول، حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم، وهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه.
﴿ وآتيناه الإنجيل﴾ وهو الكتاب الذي أنزله الله علي عيسى – عليه السلام -.
"والإنجيل كلمة يونانية من النجل وهو الأصل، يقال: رحم الله ناجليه
أي : والديه، وقيل الإنجيل مأخوذ من نجلت الشيء إذا استخرجته وأظهرته، ويقال للماءالذى يخرج من البئر : نجل. وقيل هو من النجل الذى هو سعة العين، ومنه قولهم: طعنة نجلاء، أي: واسعة.(٢)
"وسمٍي الإنجيل بهذاالاسم: لأنه سعة ونور وضياء، وأنزله الله تعالى- على نبيه عيس، ليكون بشارة وهدايو لقومه".(٣)
قرأ الجمهور﴿الإ نجيل﴾ بكسر الهمزة، وقرأ الحسن بفتحها.

(١) الجمل على الجلالين٤/٢٩٥.
(٢) تفسير الثعالبي ج: ٤ ص: ٢٧٣، وانظر: فتح القدير: ٥/١٧٨.
(٣) مفاتيح الغيب : ٧/١٧١.


الصفحة التالية
Icon