﴿ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة﴾ الذين اتبعوه: هم الحواريون جعل الله في قلوبهم مودة لبعضهم البعض، ورحمة يتراحمون بها، بخلاف اليهود فإنهم ليسوا كذلك.
وأصل الرأفة: اللين، والرحمة: الشفقة، وقيل الرأفة: أشد الرحمة.
﴿ ورهبانية ابتدعوها﴾ انتصاب رهبانية على الاشتغال، أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها.(١) أي جاءوا بها من قبل أنفسهم.
وقيل : إنه معطوف على الرأفة والرحمة، والمعنى على هذا: أن الله تعالى أعطاهم إياها فغيروا وابتدعوا فيها.
قال الماوردي : وفيها قراءتان، إحداهما: بفتح الراء، وهي الخوف من الرهب، الثانية: بضم الراء، وهي منسوبة إلى الرهبان، كالرضوانية من الرضوان، وذلك لأنهم حملوا أنفسهم على المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والنكاح والتعلق بالكهوف والصوامع، وذلك أن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي نفر قليل فترهبوا وتبتلوا
والمعنى : ما فرضناها عليهم.
﴿إلا ابتغاء رضوان الله ﴾الاستثناء هنا منقطع، أي ما كتبناها نحن عليهم رأسا ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، وقال الزجاج : ما كتبناها عليهم معناه: لم نكتب عليهم شيئا ألبتة : قال: يكون إلا ابتغاء رضوان الله بدلا من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى: ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله.
﴿فما رعوها حق رعايتها﴾ أي لم يرعوا هذه الرهبانية التي إبتدعوها من جهة أنفسهم، بل صنعوها وكفروا بدين عيسى، ودخلو في دين الملوك الذين غيروا.(٢)
واختلف في الضمير الذي في قوله:﴿ فما رعوها﴾ من المراد به،
فقال ابن زيد وغيره : هو عائد على الذين ابتدعوا الرهبانية، وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتطوع ونفل، وأنه يلزمه أن يرعاه حق رعيه.
وقال الضحاك وغيره: الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها.(٣)
﴿ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم﴾ يعني الذين ابتدعوها أولا ورعوها
﴿ وكثير منهم فاسقون﴾ يعني المتأخرين
المعنى الإجمالي
يخبر الحق – تبارك ونعالى تعالى- فى هذا النص الكريم، أنه منذ بعث نوحا - عليه السلام - لم يرسل بعده رسولا ولانبيا إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم - عليه السلام- خليل الرحمن، لم ينزل من السماء كتابا، ولا أرسل رسول، ولا أوحى إلى بشر من بعده، إلا وهو من سلالته، كما قال تعالى في الآية الأخرى:
(٢) تفسير الثعالبي ج: ٤ ص: ٢٧٣.
(٣) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٦٣.