وكون ما وعدبه المؤمنين من هذه الأمة أعظم من إيتاء أهل الكتاب أجرهم مرتين أعطى المؤمنين من هذه الأمة مثله كما بينه بقوله:﴿يؤتكم كفلين من رحمته ﴾ وزادهم بقوله:﴿ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم﴾".
و"التقوى في اللغة: بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية، وعند أهل الحقيقة: هو الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك، والتقوى في الطاعة يراد بها الإخلاص، وفي المعصية يراد به الترك والحذر، وقيل: أن يتقي العبد ما سوى الله تعالى، وقيل: المحافظة على آداب الشريعة، وقيل: مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالى، وقيل: ترك حظوظ النفس ومباينة النهى، وقيل: ألا ترى في نفسك شيئا سوى الله وقيل: آلا ترى نفسك خيرا من أحد، وقيل: ترك ما دون الله، والمتبع عندهم، هو الذي أتقي متابعة الهوى، وقيل : الاهتداء بالنبي - عليه السلام- قولا وفعل".(١)
[ ولا مانع من دخول هذه المعاني تحت مسمى التقوى].
ومعنى:﴿اتقوا الله﴾أي اجعلوا أنفسكم في وقاية من غضبه وسخطه
وبدأ الأمر بالتقوى، لأنها الأساس الذي ينبني عليه كل شيء، ويقوم عليه كل أمر، فإن تقوى الله-عز وجل- هي ملاك الأمر كله، في إقامة الإنسان على طريق الحق والهدي.
[ولعل تقديم التقوى على الإيمان، من باب ذكر التحلية بعد التخلية].
وقوله:"﴿وآمنوا برسوله﴾أي اثبتوا على الإيمان برسوله الذي أرسله إليكم، وهو محمد- صلى الله عليه وسلم-، وفي التعبير عنه بذلك مالا يخفى من الدلالة على جلالة قدره – عليه الصلاة والسلام-".(٢)
﴿ يؤتكم كفلين ﴾أي نصيبين بالإضافة إلى ما كان الأمم قبل يعطونه
قال أبو موسى : كفلين ضعفين بلسان الحبشة
والنور هنا: إما أن يكون وعدا بالنور الذي يسعى بين الأيدي يوم القيامة
وإما أن يكون استعارة للهدى الذي يمشي به في طاعة الله.
يؤتكم كفلين نصيبين من رحمته لإيمانكم بالرسول وبمن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام لكن لا على معنى أن شريعتهم باقية بعد البعثة بل على أنها كانت حقة قبل النسخ
﴿ ويجعل لكم نورا تمشون به﴾ يوم القيامةحسبما نطق به قوله تعالى:﴿ يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾
﴿ ويغفر لكم ﴾ ما أسلفتم من الكفر والمعاصى.
﴿ والله غفور رحيم ﴾أىمبالغ في المغفرة والرحمة.
فلا بدع إذا فعل- سبحانه ما فعل.(٣)
(٢) روح المعاني: م١٥ج٢٧ص٢٩٦.
(٣) تفسير أبي السعود ج: ٨ ص: ٢١٤.