وفي البخاري(١) أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول وهو قائم على المنبر:﴿إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها، حتى انتصف النهار، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غروب الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، قال أهل التوراة: ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا، قال: هل ظلمتكم من أجركم شيء؟ قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء﴾.
وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية: على أن الحسنة إنما لها من الآجر مثل واحد فقال : الحسنة اسم عام ينطلق على كل نوع من الإيمان، وينطلق على عمومه، فإذا انطلقت الحسنة على نوع واحد، فليس له عليها من الثواب، إلا مثل واحد، وإن انطلقت على حسنة تشتمل على نوعين، كان الثواب عليها مثلين بدليل هذه الآية، فإن قال كفلين من رحمته والكفل النصيب كالمثل فجعل لمن اتقى الله وآمن برسوله نصيبين نصيبا لتقوى الله ونصيبا لإيمانه برسوله
فدل على أن الحسنة التي جعل لها عشر، هي التي جمعت عشرة أنواع من الحسنات، وهو الأيمان الذي جمع الله تعالى في صفته عشرة أنواع:
لقوله تعالى :﴿ إن المسلمين والمسلمات...﴾ الآية بكمالها، فكانت هذه الأنواع العشرة التي هي ثوابها أمثالها فيكون لكل نوع منها مثل.
وهذا تأويل فاسد لخروجه عن عموم الظاهر في قوله تعالى :﴿ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ بما لا يحتمله تخصيص العموم، لأن ما جمع عشر حسنات فليس يجزي عن كل حسنة إلا بمثلها، وبطل أن يكون جزاء الحسنة عشر أمثالها والأخبار دالة عليه.
ولو كان كما ذكر لما كان بين الحسنة والسيئة فرق.(٢)
المعنى الإجمالي
هذا هو النداء الأول والأخير من هذه السورة الكريمة، لنصل بذلك إلى ختامها
وهو النداء الخاص بالمؤمنين وحدهم، حيث يشتمل هذا النداء على أمرين اثنين أما الأمر الأول: فهو الأمر بالتقوى، والمتمثل في قوله- تعالى-:﴿يأيها الذين آمنوا اتقوا الله...﴾

(١) ك / التوحيد، ب / في المشيئة والإرادة، حديث رقم ( ٧٠٢٩).
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٦٧.


الصفحة التالية
Icon