قدرا صالحا منه الى تصانيف المذهب وترتيبه الى بسيط ووسيط ووجيز مع ايغال وافراط في التشعيب والتفريع وفي القدر الذي أودعناه كتاب خلاصة المختصر كفاية وهو تصنيف رابع وهو أصغر التصانيف، ولقد كان الأولون يفتون في المسائل وما على حفظهم أكثر منه، وكانوا يوفقون للاصابة أو يتوقفون ويقولون : لا ندري... ولا يستغرقون جملة العمر فيه بل يشتغلون بالمهم ويحيلون ذلك على غيرهم ؛ فهذا وجه انشعاب الفقه من القرآن ويتولد من بين الفقه والقرآن والحديث علم يسمى أصول الفقه، ويرجع الى ضبط قوانين الاستدلال بالآيات والأخبار على أحكام الشريعة...
ثم لا يخفى عليك أن رتبة القصاص والوعاظ دون رتبة الفقهاء والمتكلمين ما داموا يقتصرون على مجرد القصص وما يقرب منها ودرجة الفقيه والمتكلم متقاربة لكن الحاجة الى الفقيه أعم والى المتكلم أشد وأشد ويحتاج الى كليهما لمصالح الدنيا أما الفقيه فلحفظ أحكام الاختصاصات بالمآكل والمناكح وأما المتكلم فلدفع ضرر المبتدعة بالمحاجة والمجادلة كيلا يستطير شررهم ولا يعم ضررهم | أما نسبتهم الى الطريق والمقصد فنسبة الفقهاء كنسبة عمار الرباطات والمصالح في طريق مكة الى الحج ونسبة المتكلمين كنسبة بدرقة طريق الحج وحارسه الى الحجاج ؛ فهؤلاء ان أضافوا الى صناعتهم سلوك الطريق الى الله تعالى بقطع عقبات النفس والنزوع عن الدنيا والاقبال على الله تعالى ففضلهم على غيرهم كفضل الشمس على القمر وان اقتصروا فدرجتهم نازلة جدا.. |