ولعلك تقول إن العلوم وراء هذه كثيرة كعلم الطب والنجوم وهيئة العالم وهيئة بدن الحيوان وتشريح أعضائه وعلم السحر والطلسمات وغير ذلك فاعلم أنا انما أشرنا الى العلوم الدينية التي لا بد من وجود أصلها في العالم حتى يتيسر سلوك طريق الله تعالى والسفر اليه، أما هذه العلوم التي أشرت اليها فهي علوم ولكن لا يتوقف على معرفتها صلاح المعاش والمعاد فلذلك لم نذكرها ووراء ما عددته علوم أخر يعلم تراجمها ولا يخلو العالمَ عمّن يعرفها ولا حاجة إلى ذكرها، بل أقول ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التي لا يتمارى فيها أن في الامكان والقوة أصنافا من العلوم بعد لم تخرج من الوجود وإن كان في قوة الآدمي الوصول اليها وعلوم كانت قد خرجت الى الوجود واندرست الآن فلن يوجد في هذه الأعصار على بسيط الأرض من يعرفها، وعلوم أخر ليس في قوة البشر أصلا ادراكها والإحاطة بها ويحظى بها بعض الملائكة المقربين.. فإن الإمكان في حق الآدمي محدود والإمكان في حق الملك محدود الى غاية في الكمال بالإضافة، كما أنه في حق البهيمة محدود الى غاية في النقصان.. وإنما الله سبحانه هو الذي لا يتناهى العلم في حقه ؛ ويفارق علمنا علم الحق تبارك وتعالى في شيئين: أحدهما انتفاء النهاية عنه، والآخر أن العلوم ليست في حقه بالقوة والإمكان الذي ينتظر خروجه بالوجود بل هو بالوجود والحضور.. فكل ممكن في حقه من الكمال فهو حاضر موجود...