والعارفون ينظرون الى العاكفين في حضيض الشهوات نظر العقلاء الى الصبيان عند عكوفهم على لذات اللعب، ولذلك تراهم مستوحشين من الخلق ويؤثرون العزلة والخلوة، فهي أحب الأشياء اليهم، ويهربون من الجاه والمال فإنه يشغلهم عن لذة المناجاة، ويعرضون عن الأهل والولد ترفعا عن الاشتغال بهم عن الله تعالى فترى الناس يضحكون منهم فيقولون في حق من يرونه منهم أنه موسوس بل مدبر ظهر عليه مبادىء الجنون، وهم يضحكون على الناس لقناعتهم بمتاع الدنيا ويقولون : ؟ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ؟...( هود ٣٨-٣٩ )... والعارف مشغول بتهيئة سفينة النجاة لغيره ولنفسه لعلمه بخطر المعاد فيضحك على أهل الغفلة ضحك العاقل على الصبيان اذا اشتغلوا باللعب والصولجان وقد أضل على البلد سلطان قاهر يريد أن يغير على البلد فيقتل بعضهم ويخلع بعضهم والعجب منك أيها المسكين المشغول بجاهك الخطير المنغص ومالك اليسير المشوش قانعا به عن النظر الى جمال الحضرة الربوبية وجلالها مع اشراقه وظهوره، فإنه أظهر من أن يطلب وأوضح من أن يعقل، ولم يمنع القلوب من الاشتغال بذلك الجمال بعد تزكيتها عن شهوات الدنيا الا شدة الاشراق مع ضعف الأحداق... فسبحان من اختفى عن بصائر الخلق بنوره واحتجب عنهم لشدة ظهوره ونحن الآن ننظم جواهر القرآن في سلك واحد ودرره في سلك آخر وقد يصادف كلاهما منظوما في آية واحدة فلا يمكن تقطيعها فننظر الى الأغلب من معانيها والشطر الأول من الفاتحة من الجواهر والشطر الثاني من الدرر ولذلك قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ قال الله حمدني عبدي فإذا قال ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال ﴿ مالك يوم الدين ﴾ قال مجدني عبدي فإذا


الصفحة التالية
Icon