وقال الله تبارك وتعالى ﴿ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذاالَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ فَذَكَّر بعد التأنيث كأنه أراد: هذا الامر الذي كنتم به تستعجلون. ومثله ﴿فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذارَبِّي هَاذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ﴾ فيكون هذا على: الذي أرى ربّي أي: هذا الشيء ربي. وهذا يشبه قول المفسرين ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾ قال: إنَّما دخلت "إلى" لأن معنى "الرَفَث" و"الأفْضاء" واحد، فكأنه قال: "الافضاءُ إلى نِسائِكُمْ"، وانما يقال: "رَفْثَ بامرَأَتِه" ولا يقال: "إلى امرأته" وذا عندي كنحو ما يجوز من "الباء" في مكان "إلى" في [قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ وانما هو "أحسن اليّ" فلم "إلى" ووضع "الباء" مكانها] وفي مكان "على" في قوله [٥٩ء] ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ﴾ انما هو "غمّاً على غَمٍّ" [وقوله] ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾ أي: "على قِنطارٍ" كما تقول: "مررتُ بِهِ" و"مررت عَلَيْهِ" كما قال الشاعر: - وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب -: [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون]:
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللّهِ أَعْجَبَنِي رِضاها
يريد: "عنى". وذا يشبه ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ لانك تقول: "خَلَوْتُ إلَيْهِ وصنعنا كذا وكذا" و"خَلَوْتُ به". وان شئت جعلتها في معنى قوله ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ أي: "معَ اللّهِ"، وكما قال ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ أي: "على القَوْمِ"
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾


الصفحة التالية
Icon