﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ منصوبة لانه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى "لكن" خارجا من أول الكلام انما يريد "لكنْ أمانيَّ" و"لكِنَّهُم يَتَمَنَّونَ". وانما فسرناه بـ"لكن" لنبين خروجه من الأول. الا ترى أنك اذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعاً من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل] ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ [٥٢ء] مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى﴾ ﴿إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ﴾ وقال ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ وقال ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ يقول: "فَهَلاّ كانَ منهُمْ مَنْ يَنْهى" ثم قال: "ولكنْ قَليلاً مِنْهُمْ مَنْ يَنْهى" ثم قال "ولكنْ* قَليلٌ مِنْهُمْ قَدْ نَهَوْا" فلما جاء مستثنى خارجاً من الأول انتصب. ومثله ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ﴾ يقول "فُهَلاّ" كانت ثم قال: "ولكنّ* قومَ يونسَ" فـ"إلا" تجيء في معنى "لكنّ"*. واذا عرفت انها في معنى "لكنّ" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله. وقد يكون ﴿إِلاَّ قَوْمُ يُونُسَ﴾ رفعا، تجعل "إلاّ" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانَتْ قريةٌ آمنتْ غيرُ قريةِ قومِ يونس" ومثلها ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ فقوله ﴿إِلاَّ اللَّهُ﴾ صفة [و] لولا ذلك لانتصب لأنه مستثنى مقدم يجوز القاؤه من الكلام. وكل مستثنى مقدم يجوز القاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز القاؤه [فـ] لو قلت "لو كانَ فِيهِما آلِهَةٌ لَفَسدَتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله "ما مَرَّ بي أحَدٌ إلاَّ زيداً مثلُكَ". قال الشاعر فيما هو صفة: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون]:


الصفحة التالية
Icon