" والله هو الغني الحميد " أي : الذي له الغنى التام، من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها صفات كمال، ونعوت جلال. ومن غناه تعالى، أن قد أغنى الخلق في الدنيا والآخرة. فهو الحميد في ذاته، وأسمائه، لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله، لأنها فضل وإحسان، وعدل، وحكمة، ورحمة. وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه من الصفات، وعلى ما منه من الفضل والإنعام، وعلى الجزاء بالعدل، وهو الحميد في غناه، الغني في حمده.
" إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد " يحتمل أن المراد : إن يشأ يذهبكم أيها الناس، ويأت بغيركم من الناس، أطوع لله منكم. ويكون في هذا، تهديد لهم بالهلاك والإبادة، وأن مشيئته غير قاصرة عن ذلك. ويحتمل أن المراد بذلك، إثبات البعث والنشور، وأن مشيئة الله تعالى، نافذة في كل شيء، وفي إعادتكم بعد موتكم، خلقا جديدا، ولكن لذلك الوقت أجل، قدره الله، لا يتقدم عنه ولا يتأخر.
" وما ذلك على الله بعزيز " أي : بممتنع، ولا معجز له. ويدل على المعنى الأخير، ما ذكره بعده في قوله :" ولا تزر وازرة وزر أخرى " أي : في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله، ولا يحمل أحد ذنب أحد. " وإن تدع مثقلة " أي : نفس مثقلة بالخطايا والذنوب " إلى حملها " أي : تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها " لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى " فإنه لا يحمل قريب عن قريب. فليست حال الآخرة، بمنزلة حال الدنيا، يساعد الحميم حميمه، والصديق صديقه. بل يوم القيامة، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد، ولو على والديه وأقاربه.