ومن ذلك قوله - ﷺ - :( اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزن، والعجز والكسل، والجُبن والبخل، وضَلَع الدين وغلبة الرجال ) (١) فاستعاذ من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان.
فالهمُّ والحزن قرينان، وهما من آلام الروح ومعذِّباتها، والفرق بينهما : أن الهم توقع الشر في المستقبل، والحزن : هو التألم على حصول المكروه في الماضي، أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح، فإن تعلق بالماضي سمي حزنا، وإن تعلق بالمستقبل سمي هَمَّا.
والعجز والكسل قرينان، وهما من أسباب الألم. لأنهما يسلتزمان فوات المحبوب، فالعجز يستلزم عدم القدرة. والكسل يستلزم عدم إرادته. فتتألم الروح لفواته بحسب تعلقها به، والتذاذها بإدراكه لو حصل.
والجبن والبخل قرينان، لأنهما عدم النفع بالمال والبدن، وهما من أسباب الألم، لأن الجبان تفوته محبوباته ومفرحات وملذوذات عظيمة، لا تنال إلا بالبذل والشجاعة، والبخل يحول بينه وبينها، فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) أخرجه البخاري في صحيحه [ج١١ص١٧٧] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وضلع الدين، وقهر الرجال : قرينان، وهما مؤلمان للنفس معذبان لها. أحدهما : قهر بحق، وهو ضلع الدين، والثاني : قهر بباطل، وهو غلبة الرجال.
وأيضا : فضلع الدين : قهر بسبب من العبد في الغالب، وغلبة الرجال قهر بغير اختياره.
ومن ذلك تعوذه - ﷺ - (من المأثم والمغرم ) (١)فإنهما يسببان الألم العاجل.
ومن ذلك قوله :( أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك )(٢) فالسخط : سبب الألم، والعقوبة : هي الألم، فاستعاذ من أعظم الآلام وأقوى أسبابها (٣).
والشر المستعاذ منه نوعان :
أحدهما : موجود، يطلب رفعه.
والثاني : معدوم، يطلب بقاؤه على العدم، وأن لا يوجد، كما أن الخير المطلق نوعان.