قلت : ولا بأس بالاستعاذة من القمر، لأن القمر هو آية الليل وسلطانه فيه.
فهو من الليل، وهذا تفسير حق، ولا يناقض التفسير الأول، فكلاهما غاسق. وثبت هذا التفسير عن النبي - ﷺ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) أخرجه مسلم في صحيحه [ج٤ص٢٠٨٠] من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : أخذ النبي - ﷺ - بيدي، فنظر إلى القمر، فقال :( يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب )(١).
والسبب الذي لأجله أمر الله بالاستعاذة من شر الليل وشر القمر إذا وقب هو أن الليل إذا أقبل فهو محل سلطان الأرواح الشريرة الخبيثة وفيه تنتشر الشياطين.
قال النبي - ﷺ - :( إن الشمس إذا غربت انتشرت الشياطين ) (٢). ولهذا قال :(فاكفتوا صبيانكم واحبسوا مواشيكم حتى تذهب فَحْمة العشاء ) وفي حديث آخر ( فإن الله يبث من خلقه ما يشاء ).
والليل : هو محل الظلام، وفيه تتسلط شياطين الإنس والجن مالا تتسلط بالنهار، فإن النهار نور، والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات والمواضع المظلمة وعلى أهل الظلمة.
ولهذا كان سلطان السحر وعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار، فالسحر الليلي عندهم: هو السحر القوي التأثير، ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين وبيوتهم ومآواهم، والشياطين تجول فيها، وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه، وكلما كان القلب أظلم كان للشيطان أطوع، وهو فيه أثبت وأمكن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) حديث حسن.
أخرجه الترمذي في سننه [ج٥ص٤٢١] والنسائي في تفسيره [ج٢ص٦٢٣] وأحمد في المسند [ج٦ص٦١] والحاكم في المستدرك [ج٢ص٥٤٠] بإسناد حسن.
٢) حديث أخرجه مسلم في صحيحه [ج٣ص١٥٩٥] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon