وفي كتب السحر والسر المكتوم من هذا عجائب، ولهذا كلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، كان سحره أقوى وأنفذ. وكان سحر عباد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام. وهم الذين سحروا رسول الله - ﷺ -.
والمقصود : أن الساحر والحاسد كل منهما قصده الشر، لكن الحاسد بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود، والشيطان يقترن به ويعينه، ويزين له حسده، ويأمره بموجبه، والساحر بعلمه، وكسبه، وشركه، واستعانته بالشياطين.
وللحسد ثلاث مراتب :
أحدها : تمني زوال النعمة، فهذا حسد على شئ محقق.
والثانية : تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يُحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله أو فقره أو ضعفه أو شتات قلبه عن الله أو قلة دينه، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب، فهذا حسد على شئ مقدر، والأول كما تقدم حسد على شئ محقق.
وكلاهما حاسد، عدو نعمة الله، وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى وعند الناس ولا يسود أبدا ولا يواسى، فإن الناس لا يُسَوِّدُون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم، فأما عدو نعمة الله عليهم فلا يُسوِّدونه باختيارهم أبداً، إلا قهراً، يعدُونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم الله بها فهم يبغضونه وهو يبغضهم.
والحسد الثالث : حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه. فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة وقد قال تعالى : ؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (١).
فهذه السورة من أكبر أدوية الحسد، فإنها تتضمن التوكل على الله، والالتجاء إليه، والاستعاذة به من شر حاسد النعمة، فهو مستعيذ بولي النعم وموليها.
كأنه يقول :( يا من أولاني نعمة وأسداها إليَّ، أنا عائذ بك من شر من يريد أن يستلبها مني، ويزيلها عني ).


الصفحة التالية
Icon