الحرز العاشر : الإمساك عن فضول الطعام ومخالطة الناس.
وأما فضول الطعام فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر، فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي، ويثقلها عن الطاعات، وحسبك بهذين شراً، فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام... فمن وقي شرَّ بطنه فقد وقي شراً عظيماً...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) حديث صحيح.
أخرجه الترمذي في سننه [ج٢ص٣٢٨] وابن ماجه في سننه [ج٢ص٣٥٨] بإسناد صحيح.
٢) تقدم تخريجه.
ولو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله عز وجل، وإذا غفل القلب عن الذكر ساعة واحدة خيم عليه الشيطان ووعده، ومنَّاه، وشهَّاه، وهام به في كل وادٍ.
وأما فضول المخالطة : فهي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات، وهي في القلوب لا تزول، ففي فضول المخالطة خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة(١).
والمقصود أن ترك مخالطة كل مخالف حمى للروح ولماله وعرضه ونفسه وأهله...
وبالجملة فمخالطة كل مخالف حُمَّى للروح، فعرضية ولازمة، ومن نكد الدنيا على العبد أن يُبْتَلى بواحد من هذا الضرب، وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف، حتى يجعل الله له من أمره فرجاً ومخرجاً...
ومن مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لآكله ترياق، وإلا فأحسنَ الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج٥ص٤٦٤].


الصفحة التالية
Icon