فعلى الأول معناه : لا يضارر كاتب ولا شهيد من طلب ذلك منهما إما بعدم الإجابة أو بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان في كتابه ويدل على هذا قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق ولا يضارر -بكسر الراء الأولى-.
وعلى الثاني لا يضارر كاتب ولا شهيد بأن يدعيا إلى ذلك وهما مشغولان بمهم لهما ويضيق عليهما في الإجابة ويؤذيا إن حصل منهما التراخي أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود ولا يضارر -بفتح الراء الأولى- وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعا٢٢١.
ثم قال سبحانه: ﴿ وإن تفعلوا ﴾ يعني المضارة ﴿ فإنه فسوق بكم ﴾ أي معصية، فالكاتب والشاهد يعصيان بالزيادة أو النقصان وذلك من الكذب المؤذي في الأموال والأبدان وفيه إبطال الحق وكذلك إذايتهما إذا كانا مشغولين معصية وخروج عن الصواب من حيث المخالفة لأمر الله٢٢٢.
الرهن
(وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (البقرة٢٨٣
بيان الأحكام:
الحكم الأول: مشروعية الرهن ولزومه:
في هذه الآية دليل على مشروعية الرهن في السفر، وعلى اشتراط قبضه (فرهان مقبوضة) وهذا مما لا خلاف فيه لكنهم اختلفوا في وجه الاشتراط على قولين:
القول الأول: أن القبض شرط في لزوم الرهن وصحته، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
وحجتهم ما يلي:
١- قول الله تعالى :﴿ فرهان مقبوضة ﴾ وصفها بكونها مقبوضة.
٢- أنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول فافتقر إلى القبض كالقرض.
القول الثاني: أن الرهن صحيح لازم ولكنه لا يتم إلا بالقبض فيجبر السلطان الراهن على الإقباض عند الامتناع.
وعمدة مالك قياس الرهن على سائر العقود اللازمة بالقول.