قال الجصاص: "وقد اقتضت الآية جواز إظهار الكفر عند التقية وهو نظير قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وإعطاء التقية في مثل ذلك إنما هو رخصة من الله تعالى وليس بواجب بل ترك التقية أفضل، قال أصحابنا فيمن أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل: إنه أفضل ممن أظهر، وقد أخذ المشركون خبيب بن عدي فلم يعط التقية حتى قتل فكان عند المسلمين أفضل من عمار بن ياسر حين أعطى التقية وأظهر الكفر فسأل النبي (عن ذلك فقال: كيف وجدت قلبك قال مطمئنا بالإيمان فقال (- وإن عادوا فعد وكان ذلك على وجه الترخيص"٢٣٠.
فريضة الحج
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴿٩٦﴾ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴿٩٧﴾(
الحكم الأول: وجوب الحج:
أوجب الله سبحانه حج البيت وهو ركن من أركان الإسلام فمن جحد وجوبه فهو كافر لقوله تعالى: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) ويؤخذ من هذا أن كل من جحد حكما معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر، وأما من ترك الحج تهاونا أو بخلا أو تسويفا فهو عاص بفعله وليس بكافر بإجماع المسلمين٢٣١.
الحكم الثاني: حكم الجاني في الحرم:
اتفق الفقهاء على أن من جنى في الحرم فإنه يقتص منه سواء كانت الجناية في النفس أم في الأطراف وعللوا ذلك بأن الجاني انتهك حرمة الحرم فلم يعد يعصمه الحرم من القصاص، لأنه هو الذي أحدث فيه فيقتص منه.
واختلفوا فيمن جنى في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم هل يقتص منه في الحرم؟ على قولين:
القول الأول: لا يقتص منه في الحرم وهو قول الحنفية والحنابلة.