القول الثالث: وهو للإمام أحمد وهو التفريق بين الأب وغيره، فإن كان أبا لم يلزمه عوضه رواية واحدة، لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها، وإن كان غير الأب روايتان٢٧٨.
الحكم الثامن: الإشهاد على تسليم المال لليتيم:
قوله تعالى :(فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم( أي : إذا حصل مقتضى الدفع فدفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم أنهم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم وتأمنوا عاقبة الدعاوى الصادرة منهم.
وقيل : إن الإشهاد المشروع هو ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم.
وقيل هو على رد ما استقرضه إلى أموالهم.
وظاهر النظم القرآني مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم وهو يعم الإنفاق قبل الرشد والدفع للجميع إليهم بعد الرشد٢٧٩.
والأمر هنا يحتمل الوجوب ويحتمل الندب وبكل قالت طائفة من العلماء لم يسم أصحابها : فإن لوحظ ما فيه من الاحتياط لحق الوصي كان الإشهاد مندوبا، لأنه حقه فله أن لا بفعله.
وإن لوحظ ما فيه من تحقيق مقصد الشريعة من رفع التهارج وقطع الخصومات كان الإشهاد واجبا نظير ما تقدم في قوله تعالى ( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ( وللشريعة اهتمام بتوثيق الحقوق، لأن ذلك أقوم لنظام المعاملات، وأيا ما كان فقد جعل الوصي غير مصدق في الدفع إلا ببينة عند مالك٢٨٠ والشافعي٢٨١ لهذه الآية، ولأن الذي زعم أنه دفعه إليه غير الذي ائتمنه كالوكيل بدفع المال إلى غيره لا يصدق إلا ببينة.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد في الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع المال إليه أنه يصدق، وكذلك لو قال أنفقت عليه في صغره صدق في نفقة مثله وكذلك لو قال هلك المال٢٨٢، وعلله الجصاص بأنه بمنزلة الودائع والمضاربات وما جرى مجراها من الأمانات فوجب أن يكون مصدقا على الرد كما يصدق على رد الوديعة٢٨٣.