وظاهر الآية يشهد للحنفية القائلين بتوريث ذوي الأرحام لأن العمات و الخالات وأولاد البنات من الأقربين فوجب دخولهم تحت قوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ...( فثبت كونهم مستحقين لأصل النصيب بهذه الآية، وأما المقدار فمستفاد من دلائل أخر كما هو الحال في غيرهم٢٨٥.
(وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (
المراد بالقرابة هنا غير الوارثين وكذا اليتامى والمساكين٢٨٦ والمعنى : أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم يائسون لا شيء يعطونه، فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برا بهم وصدقة عليهم وإحسانا إليهم وجبرا لكسرهم٢٨٧.
وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة أو محكمة، فذهب جمهور المفسرين إلى أنها محكمة وذهب ابن المسيب والضحاك إلى أنها منسوخة بآية المواريث، وقيل آية المواريث والوصية، وقيل نسختها الزكاة٢٨٨، ومآل هذا الأقوال إلى موافقة قول الجمهور أهل العلم٢٨٩.
ثم اختلف الجمهور في الأمر هنا هل هو للوجوب أو للندب:
القول الأول: الوجوب، فيجب الصلة بما طابت به أنفس الورثة عند القسمة وبه قال الحسن والزهري.
القول الثاني: الندب، وبه قال الجمهور.
وعللوه بأنه لو كان فرضا لكان استحقاقا في التركة، ومشاركة في الميراث لأحد الجهتين معلوم وللآخر مجهول، وذلك مناقض للحكمة وسبب للتنازع والتقاطع٢٩٠.
ويدل على صحة قول الجمهور إجماع الأمة على أنهم إذا لم يحضروا القسمة لا يرزقون شيئا كما اقتضاه الخطاب في الآية، ولو كان واجبا لوجب لهم وإن لم يحضروا كسائر الفرائض الواجبات.