وقد دل ظاهر قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة ع تراض منكم( على إباحة جميع أنواع التجارات إلا أن الله تعالى قد خص منها أشياء بنص الكتاب وأشياء بسنة الرسول ( فالخمر والميتة والدم ولحم الخنزير وسائر المحرمات في الكتاب لا يجوز بيعها، لأن إطلاق لفظ التحريم يقتضي سائر وجوه الانتفاع وقال النبي(: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها" وقال في الخمر: "إن الذي حرمها حرم بيعها وأكل ثمنها ولعن بائعها ومشتريها"، ونهى رسول الله ( عن البيع الغرر، وبيع العبد الآبق، وبيع مالم يقبض، وبيع ما ليس عند الإنسان ونحوها من البياعات المجهولة والمعقود على غرر جميع ذلك مخصوص من ظاهر قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم(٣٩٧.
الحكم الثالث: التراضي وصيغة العقد:
اشترطت الآية كون البيع عن تراضي قال الشافعية: ولما كان الرضا أمرا يتعلق بالباطن لا يطلع عليه أحد في الظاهر إلا ببيان اللسان اشترطنا النطق واكتفينا به دليلا على الرضا صريحا كان النطق أو كناية.
وخالفهم الجمهور فلم يشترطوا وجود الصيغة في العقد واكتفوا بدلالة الفعل كالأخذ ونحوه، مقتضى هذا جواز بيع المعاطاة إذا دلت القرائن وشواهد الأحوال على الرضا وهذا هو الراجح، واختاره جماعة من الشافعية.
الحكم الرابع: خيار المجلس:
اختلف الفقهاء في ثبوت خيار المجلس على قولين:
القول الأول: يلزم العقد بالإيجاب والقبول ولا خيار لهما، وهو قول أبي حنيفة ومالك.
وحجتهم: أنه روي عن عمر رضي الله عنه : البيع صفقة أو خيار، ولأنه عقد معاوضة فلزم بمجرده كالنكاح والخلع.
وذكر بعضهم أن ظاهر الآية يشهد لهذا القول لأن الآية تقتضي حل التصرف في المبيع بوقوع البيع عن تراض ساء تفرق المتبايعان أم لا، فإن الذي يسمى تجارة في عقد البيع إنما هو الإيجاب والقبول، وليس التفرق والاجتماع من التجارة في شيء٣٩٨.


الصفحة التالية
Icon