جرت عادة الجيوش في معظم دول العالم إعطاء قادة الجيش ومن يحملون أسرار الدولة حبوبا سامة سريعة المفعول يتناولونها إذا ما تعرضوا للأسر، وخشوا أن يمارس ضدهم وسائل تعذيب لاستخراج ما بحوزتهم من أسرار تخص الدولة وتجهيزاتها، وربما كانت أسرارا خطيرة للغاية إذا ما عرفها العدو أصاب الأمة في مقتل، فهل يجوز للمسلم أن ينتحر في مثل هذه الحالة؟
ما تدل عليه هذه الآية هو عموم حرمة قتل النفس وتدخل فيها هذه الحالة، ولكن ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى جوازه في مثل هذه الظروف لما فيه من دفع ضرر أكبر بضرر أقل.
الحكم الرابع: العمليات الاستشهادية:
اختلف المعاصرون في حكم العمليات الاستشهادية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: حرمة العمليات الاستشهادية وحجته هذه الآية الناهية عن قتل النفس، وما العمل الاستشهادي إلا قتل للنفس.
القول الثاني: جواز هذه العمليات، واحتجوا بالآيات الدالة على شراء الله من المؤمنين أنفسهم: ( إنَّ اللَّهِ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة : ١١١ ]، كما احتج بعضهم بقصة الغلام المؤمن، وبفعل بعض السلف وتغريرهم بأنفسهم واقتحامهم حصون الأعداء.
القول الثالث: التوقف.
الترجيح:
لا يمكن أن ينكر أحد أن الأصل حرمة الانتحار، كما لا يجادل أحد في مشروعية الجهاد بل ووجوبه عينيا في الدفع، والحقيقة أن العمليات الاستشهادية بين هذين الأمرين فمن ناحية هي قتل نفس يقينا فيقربها هذا من طرف الأول، ومن ناحية أن الجهاد مبناه على التغرير بالنفس فتقترب منه هذه العمليات، وبسبب هذا التردد وقع الخلاف والتوقف.