قلنا بأن من يأمر ببعث الحكمين هو ولي الأمر، وهذا ظاهر في ديار الإسلام ولكن المشكلة تقع في غير ديار الإسلام، والذي يتجه هنا أن يعمل المسلمون على إنشاء هيئة تعمل على إدارة شؤونهم يرجعون إليها في قضاياهم ومشكلاتهم، وقراراتها ملزمة، كما تكون معترفا بها رسميا، وحينئذ يصح أن يكون الخطاب موجها إليها.
الحكم الخامس: ما يليه الحكمان:
اختلف العلماء فيما يليه الحكمان: أيليان الجمع والتفريق دون إذن الزوجين لكونهما منصوبان من جهة الحاكم فيحكمان وإن لم يرض الزوجان، أم ليس لهما تنفيذ أمر يلزم الزوجين دون إذن منهما لأنهما وكيلان من جهتهما؟ قولان:
القول الأول: لهما أن يلزما الزوجين دون إذنهما ما يريان فيه المصلحة مثل أن يطلق الرجل أو تفتدي المرأة بشيء من مالها فهما عندهم حاكم موليان من قبل الإمام، وبه قال مالك.
القول الثاني: أن المقصود من بعث الحكمين الإصلاح بين الزوجين وتعيين وسائل الزجر للظالم منهما كقطع النفقة عن المرأة مدة حتى يصلح حالها وليس للحكمين أن يفرقا إلا برضا الزوجين فهما عندهم وكيلان للزوجين، وهو قول أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالمذهبين٤٧١.
وليس في الآية ما يرجح أحد الرأيين على الآخر بل فيها ما يشهد لكل من الرأيين:
فالشهادة للرأي الأول أن الله تعالى سمى كلا منهما حكما والحكم هو الحاكم وإذا جعلهما الله حاكمين فقد مكنهما من الحكم.
والشهادة للرأي الثاني أنه تعالى لم يضف إليهما إلا الإصلاح وهذا يقتضي أ يكون ما وراء الإصلاح غير مفوض إليهما.
الترجيح:
الذي يظهر أن القول الثاني هو الراجح لما يلي:
١- أنه لا خلاف أن الزوج لو أقر قبل التحكيم بالإساءة إليها لم يجبرها الحاكم على الطلاق، وأن الزوجة لو أقرت كذلك قبل التحكيم بالإساءة إليها لم يجبرها الحاكم على الافتداء، فإذا كان ذلك حكمهما قبل بعث الحكمين فكذلك يكون الحكم بعد بعثهما.