وأي الأمرين كان فهو واجب إجماعا، وحمله الكثير -وليس ببعيد- على ما يعم الجميع لتناول الاسم لهم لأن للأمراء تدبير أمر الجيش والقتال وللعلماء حفظ الشريعة وما يجوز وما لا يجوز، ولكن استشكل إرادة العلماء لقوله تعالى :(فإن تنازعتم في شئ( فإن الخطاب فيه عام للمؤمنين مطلقا والشيء خاص بأمر الدين بدليل ما بعده، والمعنى فإن تنازعتم أيها المؤمنون أنتم وألوا الأمر منكم في أمر من أمور الدين فردوه أي فراجعوا فيه إلى الله أي إلى كتابه والرسول أي إلى سنته، ولا شك أن هذا إنما يلائم حمل أولي الأمر على الأمراء دون العلماء لأن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء إذ المراد بهم المجتهدون والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم٤٨٢.
وطاعة أولي الأمر تكون فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الله كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٤٨٣.
الحكم الثالث: طاعة ولي الأمر هل تشمل المباح؟
في هذه المسألة خلاف:
قيل: إنه لا يجب طاعتهم فيه، لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله تعالى ولا أن يحلل ما حرمه الله تعالى.
وقيل : تجب أيضا كما نص عليه الحصكفي وغيره وقال بعض محققي الشافعية : يجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يأمر بمحرم.
وقال بعضهم : الذي يظهر أن ما أمر به مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرا فقط بخلاف ما فيه ذلك فإنه يجب باطنا أيضا وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به.
ثم هل العبرة بالمباح والمندوب المأمور به باعتقاد الآمر فإذا أمر بمباح عنده سنة عند المأمور يجب امتثاله ظاهرا فقط أو المأمور فيجب باطنا أيضا وبالعكس فينعكس ذلك؟ كل محتمل وظاهر إطلاقهم في مسألة أمر الإمام الناس بالصوم للاستسقاء الثاني لأنهم لم يفصلوا بين كون الصوم المأمور به هناك مندوبا عند الآمر أولا٤٨٤.
الحكم الرابع: تضمن الآية للأدلة الشرعية: