الترجيح:
من الواضح رجحان قول الشافعي وأحمد لقوة دليلهم، "والذي يظهر أن الآية ليست بصدد بيان وجوب إتمام ما شرع فيه فرضا أو نفلا بل بصدد تحديد الزمن الذي يحل فيه تناول المفطرات والذي لا يحل، ولا تعرض فيها لنفل شرع فيه ثم أفسده، ولا لفرض شرع فيه ثم فسد بل ذلك حكم آخر يستفاد من دليل مستقل"٦٠ فظهر بهذا بعد مأخذ الحنفية ومن وافقهم من هذه الآية، ومع هذا نقول: وعلى فرض التسليم بعموم الآيات فحديث أم هانئ خاص.
الحكم الثالث: الاعتكاف:
الاعتكاف هو في اللغة المقام والاحتباس، وفي الشرع لبث صائم في مسجد جماعة بنية.
ويشترط في الاعتكاف أن يكون في المسجد لقوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد) وظاهر الآية عدم التفرقة بين المساجد.
وقد وقع الاختلاف في المسجد الذي يكون فيه الاعتكاف على أقوال:
القول الأول: لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، وهو مروي عن حذيفة.
وحجة هذا القول حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد".
القول الثاني: لا يصح إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، وبه قال الحنابلة.
وعللوا قولهم بأن الجماعة واجبة واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف٦١.
القول الثالث: يصح الاعتكاف في كل مسجد، وهو قول مالك والشافعي.
واحتجوا بعموم قوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد).
القول الرابع: لا اعتكاف إلا في مسجد فيه جمعة وهي رواية ابن عبد الحكم عن مالك.
وعلل بانقطاع عمل المعتكف بالخروج إلى الجمعة.
المناقشة والترجيح:
ما قاله الجمهور هو الراجح وما قاله الآخرون مناقش بما يلي:
١- أن الآية لم تعين مسجدا مخصوصا فبقي اللفظ على عمومه.
٢- التخصيص بمسجد جماعة يحتاج إلى دليل.
٣- غاية ما يدل عليه حديث شد الرحال تفضيل هذه الثلاثة على ما عداها أو عدم شد الرحال إليها.


الصفحة التالية
Icon