وإن مما يؤسف له أن نجد اليوم من يتبنى هذا القول الذي قاله علماء وصفوا أنفسهم بالمقلدين، وفي عصور عانت الأمة فيها من التخلف والانحطاط المريع، في حين أننا نريد العودة بالأمة إلى القرآن والسنة، مع تلمس خطوات أهل العلم الذين أمرنا الله سبحانه بالرجوع إليهم، مع التفريق بين التفسيرات المرتبطة بالواقع المتغير وتلك المرتبطة بالنص كثابت لا يتغير ولا يتبدل.
فلا يفهم من كلامي هذا الدعوة إلى نبذ كتب أهل العلم والدعوة العامة إلى استنباط الأحكام من القرآن مباشرة دون تأهل بل هذا مما يزيد الطين بله كما أنه مخالف للقرآن الداعي إلى سؤال أهل العلم (فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) الأنبياء٧، وما أعنيه أن المقولة السابقة جعلت بين الناس والقرآن هوة واسعة وأبعدت الأمة عن وحي ربها.
أما استثناؤهم المؤهل للاستنباط فغير مجدي لتصريحهم بخلو الأرض من المجتهدين بطبقاتهم المطلقة والمذهبية، فلم يبق لهذا الاستثناء مجال، وعتبي الكبير على هؤلاء أنهم حصروا أنفسهم في بوتقة التقليد رغم رسوخ الكثيرين منهم في العلوم النقلية والعقلية فرغم تأهلهم جمدوا عقولهم واكتفوا بمطالعة الفروع التي لا تنتهي والإكثار منها وترك النص المعصوم القريب الواضح.
كما أن هذا كان سببا في تقزيم وتجزيء العقل الفقهي فبدلا من أن يكون عقلا استنباطيا ينطلق من التأصيل إلى التفريع أصبح العكس وأصبح العمدة في الفقه هو ما نصت عليه كتب الفروع، وأكرر القول بأن هذا ليس عيبا إذا ما انضم إليه تكوين للعقلية الفقهية الاستنباطية ولكن العيب كل العيب هو ترك الأصل وتجاهله والتمسك بالفرع وجعله أصلا.
وفي اعتقادي أن هذا الانحسار الفكري والاستنباطي كان سببا كبيرا من الأسباب التي أوصلت الأمة إلى ما وصلت إليه بعد ذلك، إذ تبلدت الذهنية المسلمة في كثير من جوانبها إلا ما رحم الله، فأضحت الأمة جسما وعقلا لقمة سائغة للمتربصين بها.