عَطِشَ عَطْشَانُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ رَحْمَنُ مِنْ رَحِمَ، لِأَنَّ فَعَلَ مِنْهُ: رَحِمَ يَرْحَمُ. وَقِيلَ رَحِيمٌ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُ فَعَلَ مِنْهَا مَكْسُورَةً، لِأَنَّهُ مَدْحٌ. وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ يَحْمِلُوا أَبْنِيَهُ الْأَسْمَاءِ إِذَا كَانَ فِيهَا مَدْحٌ أَوْ ذَمٌّ عَلَى فَعِيلٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُ فَعَلَ مِنْهَا مَكْسُورَةً أَوْ مَفْتُوحَةً، كَمَا قَالُوا مِنْ عَلِمَ: عَالِمٌ وَعَلِيمٌ، وَمِنْ قَدِرَ: قَادِرٌ وَقَدِيرٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهَا بِنَاءً عَلَى أَفْعَالِهَا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مِنْ فَعَلَ يَفْعِلُ وَفَعَلَ يَفْعَلُ فَاعِلٌ. فَلَوْ كَانَ الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ خَارِجَيْنِ عَنْ بِنَاءِ أَفْعَالِهِمَا لَكَانَتْ صُورَتَهُمَا الرَّاحِمُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ اسْمَيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنَ الرَّحْمَةِ، فَمَا وَجْهُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ وَأَحَدُهُمَا مُؤَدٍّ عَنْ مَعْنَى الْآخَرِ؟. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ظَنَنْتَ، بَلْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهُمَا مَعْنًى لَا تُؤَدِّي الْأُخْرَى مِنْهُمَا عَنْهَا. فَإِنْ قَالَ: وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي انْفَرَدَتْ بِهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَصَارَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مُؤَدِّيَةٍ الْمَعْنَى عَنِ الْأُخْرَى؟ قِيلَ: أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا تَمَانُعَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الرَّحْمَنَ عَنْ أَبْنِيَةِ الْأَسْمَاءِ مِنْ فَعَلَ يَفْعَلُ أَشَدُّ عُدُولًا مِنْ قَوْلِهِ الرَّحِيمَ. وَلَا خِلَافَ مَعَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي فَعَلَ