وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي تَأْوِيلِ مَفَاتِحِ السُّوَرِ الَّتِي هِيَ حُرُوفُ الْمُعْجَمِ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَهَا حُرُوفًا مُقَطَّعَةً وَلَمْ يَصِلْ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فَيَجْعَلَهَا كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ الْحُرُوفَ؛ لِأَنَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَرَادَ بِلَفْظِهِ الدَّلَالَةَ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ لَا عَلَى مَعْنَى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّبِيعُ قَدِ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا. وَالصَّوَابُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهُ يَحْوِي مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ وَمَا قَالَهُ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ غَيْرُهُ فِيهِ، سِوَى مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْقَوْلِ عَمَّنْ ذَكَرْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُوَجِّهَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ حُرُوفُ هِجَاءٍ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ فِي مَفَاتِحِ السُّوَرِ عَنْ ذِكْرِ تَتِمَّةِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ بِتَأْوِيلِ: أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢]، مَجْمُوعَةٌ ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢]، فَإِنَّهُ قَوْلُ خَطَأٍ فَاسِدٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ، فَكَفَى دَلَالَةً عَلَى خَطَئِهِ شَهَادَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ مَعَ إِبْطَالِ قَائِلِ ذَلِكَ قَوْلَهُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، إِذْ صَارَ إِلَى الْبَيَانِ عَنْ رَفْعِ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢] بِقَوْلِهِ مَرَّةً إِنَّهُ مَرْفُوعٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَمَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ بِالرَّاجِعِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] وَمَرَّةً بِقَوْلِهِ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] وَذَلِكَ تَرْكٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِ إِنَّ ﴿الم﴾ [البقرة: ١] رَافِعَةٌ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢] وَخُرُوجٌ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي ادَّعَاهُ فِي تَأْوِيلِ ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ١] وَأَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: هَذِهِ الْحُرُوفُ {ذَلِكَ الْكِتَابُ


الصفحة التالية
Icon