وُجُوهٍ شَتَّى: أَحَدُهَا: أَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْعَرَبَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ لُغَتِهَا وَغَيْرِ مَا هُوَ فِي لُغَةِ أَحَدٍ مِنَ الْآدَمَيِّينَ، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ كَانَتْ تَفْتَتِحُ أَوَائِلَ إِنْشَادِهَا مَا أَنْشَدَتْ مِنَ الشِّعْرِ بِبَلْ، فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَبْتَدِئُ شَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ بِ ﴿الم﴾ [البقرة: ١] وَ ﴿الر﴾ [يونس: ١] وَ ﴿المص﴾ [الأعراف: ١] بِمَعْنَى ابْتِدَائِهَا ذَلِكَ بِ بَلْ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنِ ابْتِدَائِهَا، وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَاتِهِمْ وَيَسْتَعْمِلُونَ بَيْنَهُمْ مِنْ مَنْطِقِهِمْ فِي جَمِيعِ آيِهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ سَبِيلَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا أَوَائِلُ السُّوَرِ الَّتِي هُنَّ لَهَا فَوَاتِحُ سَبِيلُ سَائِرِ الْقُرْآنِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ لُغَاتِهِمُ الَّتِي كَانُوا بِهَا عَارِفِينَ وَلَهَا بَيْنَهُمْ فِي مَنْطِقِهِمْ مُسْتَعْمِلِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سَبِيلِ لُغَاتِهِمْ وَمَنْطِقِهِمْ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَعْنَى الْإِبَانَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا الْقُرْآنَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نَزَل بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذَرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٣] وَأَنَّى يَكُونُ مُبِينًا مَا لَا يَعْقِلُهُ وَلَا يَفْقَهُهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ فِي قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي مَنْطِقِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فِي قَوْلِهِ؟ وَفِي إِخْبَارِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ مَا يُكَذِّبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَيُنْبِئُ عَنْهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا بِهِ عَالِمِينَ وَهُوَ لَهَا مُسْتَبِينٌ. فَذَلِكَ أَحَدُ أَوْجُهِ خَطَئِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ خَطَئِهِ فِي ذَلِكَ: إِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ خَاطَبَ عِبَادَهُ بِمَا