عِبَادِهِ الدَّيْنُونَةَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا: " ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعَرَبِ ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] أَمَّا الْغَيْبُ: فَمَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ. لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَصْلِ كِتَابٍ أَوْ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُمْ. ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ٤] هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً، لِإِيمَانِهِمْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ إِخْبَارِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِيَّاهُمْ فِيهِ عَنِ الْغُيُوبِ الَّتِي كَانُوا يُخْفُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيُسِرُّونَهَا، فَعَلِمُوا عِنْدَ إِظْهَارِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقُوا بِالْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ الَّتِي لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهَا لَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ بِالْحُجَّةِ الَّتِي احْتَجَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ، مِنَ الْإِخْبَارِ فِيهِ عَمَّا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ؛ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَصْفِ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَلِكَ صِفَتُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ -[٢٤٥]- وَسِوَاهُمْ، وَإِنَّمَا هَذِهِ صِفَةُ صِنْفٍ مِنَ النَّاسِ، وَالْمُؤْمِنُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ هُوَ الْمُؤْمِنُ بِالْغَيْبِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَى مَنْ قَبْلَهُ بَعْدَ تَقَضِّي وَصْفُهُ إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ كَانَ مَعْنِيًّا بِهِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ، وَسَائِرِ الْأُمُورِ الَّتِي كَلَّفَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْإِيمَانِ بِهَا مِمَّا لَمْ يَرْوِهِ وَلَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِمَّا هُوَ آتٍ، دُونَ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] كَانَتِ الْحَاجَةُ مِنَ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهِمْ بِذَلِكَ لِيُعَرِّفَهُمْ نَظِيرَ حَاجَتِهِمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي وُصِفُوا بِهَا مِنْ إِيمَانِهِمْ بِالْغَيْبِ لِيَعْلَمُوا مَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ أَفْعَالِ عِبَادِهِ، وَيُحِبُّهُ مِنْ صِفَاتِهِمْ، فَيَكُونُوا بِهِ إِنْ وَفَّقَهُمْ لَهُ رَبُّهُمْ مُؤْمِنِينَ