وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يُغَلَّفَ قَلْبُهُ؛ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤] " فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الذُّنُوبَ، إِذَا تَتَابَعَتْ عَلَى الْقُلُوبِ أَغْلَفَتْهَا، وَإِذَا أَغْلَفَتْهَا أَتَاهَا حِينَئِذٍ الْخَتْمُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالطَّبْعُ، فَلَا يَكُونُ لِلْإِيمَانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ، وَلَا لِلْكُفْرِ مِنْهَا مُخَلِّصٌ. فَذَلِكَ هُوَ الطَّبْعُ وَالْخَتْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] نَظِيرُ الطَّبْعِ وَالْخَتْمِ عَلَى مَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ مِنَ الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَى مَا فِيهَا إِلَّا بِفَضِّ ذَلِكَ عَنْهَا ثُمَّ حِلِّهَا، فَكَذَلِكَ لَا يَصِلُّ الْإِيمَانُ إِلَى قُلُوبِ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، إِلَّا بَعْدَ فَضِّهِ خَاتَمَهُ وَحِلِّهِ رِبَاطَهُ عَنْهَا. وَيُقَالُ لِقَائِلِي الْقَوْلِ الثَّانِي الزَّاعِمِينَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى -[٢٦٨]- قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] هُوَ وَصْفُهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الَّذِي دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ تَكَبُّرًا: أَخْبِرُونَا عَنِ اسْتِكْبَارِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِقْرَارِ بِمَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَسَائِرِ الْمَعَانِي اللَّوَاحِقِ بِهِ، أَفِعْلٌ مِنْهُمْ، أَمْ فِعْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِمْ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ مِنْهُمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِعْرَاضُ الْكَافِرِ عَنِ الْإِيمَانِ وَتَكَبُّرُهُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَهُوَ فِعْلُهُ عِنْدَكُمْ خَتْمًا مِنَ اللَّهِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ، وَخَتْمُهُ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ فِعْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ فِعْلِ الْكَافِرِ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ تَكَبُّرَهُ وَإِعْرَاضَهُ كَانَا عَنْ خَتْمِ اللَّهِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْخَتْمُ سَبَبًا لِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُسَمَّى مُسَبِّبُهُ بِهِ؛ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَأَوْجَبُوا أَنَّ الْخَتْمَ مِنَ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ وَأَسْمَاعِهِمْ مَعْنَى غَيْرِ كُفْرِ الْكَافِرِ وَغَيْرِ تَكَبُّرِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ قَبُولِ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ، وَذَلِكَ دُخُولٌ فِيمَا أَنْكَرُوهُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُنْكِرِينَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِ صِنْفٍ مِنْ كُفَّارِ عِبَادِهِ وَأَسْمَاعِهِمْ، ثُمَّ لَمْ يُسْقِطِ التَّكْلِيفَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَضَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَرَائِضَهُ وَلَمْ يَعْذِرُهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ طَاعَتِهِ بِسَبَبِ مَا فَعَلَ بِهِ مِنَ الْخَتْمِ -[٢٦٩]- وَالطَّبْعِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ لِجَمِيعِهِمْ مِنْهُ عَذَابًا عَظِيمًا عَلَى تَرْكِهِمْ طَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ مَعَ حَتْمِهِ الْقَضَاءَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ