وَمِنْهُ يُقَالُ: تَغَشَّاهُ الْهَمُّ: إِذَا تَجَلَّلَهُ وَرَكِبَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر البسيط]
هَلَّا سَأَلْتِ بَنِي ذُبْيَانَ مَا حَسَبِي | إِذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الْأَشْمَطَ الْبَرِمَا |
يَعْنِي بِذَلِكَ: إِذَا تَجَلَّلَهُ وَخَالَطَهُ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، أَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَطَبَعَ عَلَيْهَا فَلَا يَعْقِلُونَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْعِظَةً وَعَظَهُمْ بِهَا فِيمَا آتَاهُمْ مِنْ عِلْمِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ كُتُبِهِ، وَفِيمَا حَدَّدَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَوْحَاهُ وَأَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ فَلَا يَسْمَعُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ اللَّهِ تَحْذِيرًا وَلَا تَذْكِيرًا وَلَا حُجَّةً أَقَامَهَا عَلَيْهِمْ بِنُبُوَّتِهِ، فَيَتَذَكَّرُوا وَيَحْذَرُوا عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ وَصِحَّةِ أَمْرِهِ؛ وَأَعْلَمَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً عَنْ أَنْ يُبْصِرُوا سَبِيلَ الْهُدَى فَيَعْلَمُوا قُبْحَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة: ٧] أَيْ عَنِ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا بِغَيْرِ مَا كَذَّبُوكَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ رَبِّكَ، حَتَّى يُؤْمِنُوا -[٢٧٣]- بِهِ، وَإِنْ آمَنُوا بِكُلِّ مَا كَانَ قَبْلَكَ "