قَدْ سُمُّوا لَنَا بِأَسْمَائِهِمْ، كَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ. وَظَاهَرُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي خِفَاءٍ غَيْرِ جِهَارٍ حَذَارَ الْقَتْلِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالسِّبَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَرُكُونًا إِلَى الْيَهُودِ، لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَسُوءِ الْبَصِيرَةِ بِالْإِسْلَامِ. فَكَانُوا إِذَا لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالُوا لَهُمْ حَذَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: إِنَّا مُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْبَعْثِ، وَأَعْطُوهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ لِيَدْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنِ اعْتَقَدَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الشِّرْكِ لَوْ أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا هُمْ مُعْتَقِدُوهُ مِنْ شِرْكِهِمْ، وَإِذَا لَقُوا إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ فَخَلَوْا بِهِمْ، قَالُوا: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ فَإِيَّاهُمْ عَنَى جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٨] يَعْنِي بِقَوْلُهُ تَعَالَى خَبَرًا عَنْهُمْ: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٨] : صَدَّقْنَا بِاللَّهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: ٨] يَعْنِي بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْيَوْمَ الْآخِرَ: لِأَنَّهُ آخِرُ يَوْمٍ، لَا يَوْمَ بَعْدَهُ سِوَاهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ لَا يَكُونُ بَعْدَهُ يَوْمٌ، وَلَا انْقِطَاعَ لِلْآخِرَةِ، وَلَا فَنَاءَ، وَلَا زَوَالَ؟ قِيلَ: إِنَّ الْيَوْمَ عِنْدَ الْعَرَبِ إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ الَّتِي قَبْلَهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمِ النَّهَارَ لَيْلٌ لَمْ يُسَمَّ يَوْمًا، فَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ لَا لَيْلَ لَهُ بَعْدَهُ سِوَى اللَّيْلَةِ الَّتِي قَامَتْ فِي