وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ النَّحْوِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: لَا تَكُونُ الْمُفَاعَلَةُ إِلَّا مِنْ شَيْئَيْنِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِظَنِّهِمْ أَنْ لَا يُعَاقَبُوا، فَقَدْ عَلِمُوا خِلَافَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِحُجَّةِ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ الْوَاقِعَةِ عَلَى خَلْقِهِ بِمَعْرِفَتِهِ ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: ٩] قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ [البقرة: ٩] يَقُولُ: يَخْدَعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالتَّخْلِيَةِ بِهَا. وَقَدْ تَكُونُ الْمُفَاعَلَةُ مِنْ وَاحِدٍ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: ٩] إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ قَدْ خَدَعُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ قِيلِ الْحَقِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ حَتَّى سَلِمَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ كَانُوا مَخْدُوعِينَ فِي أَمْرِ آخِرَتِهِمْ؟ قِيلَ: خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ خَدَعُوا الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْجَبْنَا لَهُمْ حَقِيقَةَ خَدْعَةٍ جَازَتْ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا: قَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا، أَوْجَبْنَا لَهُ حَقِيقَةَ قَتْلٍ كَانَ مِنْهُ لِفُلَانٍ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: خَادَعَ الْمُنَافِقُونَ رَبَّهُمْ وَالْمُؤْمِنِينِ، وَلَمْ يَخْدَعُوهُمْ بَلْ خَدَعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ دُونَ غَيْرِهَا، نَظِيرَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَاتَلَ آخَرَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْتُلْ صَاحِبَهُ: قَاتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا وَلَمْ يَقْتُلْ إِلَّا نَفْسَهُ، فَتُوجِبُ لَهُ مَقَاتَلَةَ صَاحِبِهِ، وَتَنْفِي عَنْهُ قَتْلَهُ صَاحِبَهُ، وَتُوجِبُ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ. فَكَذَلِكَ تَقُولُ: خَادَعَ الْمُنَافِقُ رَبَّهُ وَالْمُؤْمِنِينِ، وَلَمْ


الصفحة التالية
Icon