أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: ١٤] فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: إِنَّكَ ذَكَرْتَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ [البقرة: ١٧] خَمَدَتْ وَانْطَفَأَتْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي الْقُرْآنِ، فَمَا دَلَالَتُكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ؟ قِيلَ: قَدْ قُلْنَا إِنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْإِيجَازَ وَالِاخْتِصَارَ إِذَا كَانَ فِيمَا نَطَقَتْ بِهِ الدَّلَالَةُ الْكَافِيَةُ عَلَى مَا حَذَفَتْ وَتَرَكَتْ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ:
[البحر الطويل]

عَصَيْتُ إِلَيْهَا الْقَلْبَ إِنِّي لِأَمْرِهَا سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا
يَعْنِي بِذَلِكَ: فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا أَمْ غَيٌّ، فَحَذَفَ ذِكْرَ أَمْ غَيٌّ، إِذْ كَانَ فِيمَا نَطَقَ بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَيْهَا. وَكَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي نَعْتِ حِمْيَرَ:
[البحر الطويل]
فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أَوْ حِينَ نَصَّبَتْ لَهُ مِنْ خَذَا آذَانِهَا وَهُوَ جَانِحُ
يَعْنِي: أَوْ حِينَ أَقْبَلَ اللَّيْلُ. فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ كَرِهْنَا إِطَالَةَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهَا. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ [البقرة: ١٧] لَمَّا كَانَ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ


الصفحة التالية
Icon