قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: مَثَلُ اسْتِضَاءَةِ الْمُنَافِقِينَ بِضَوْءِ إِقْرَارِهِمْ بِالْإِسْلَامِ مَعَ اسْتِسْرَارِهِمُ الْكُفْرَ، مَثَلُ إِضَاءَةِ مُوقِدِ النَّارِ بِضَوْءِ نَارِهِ عَلَى مَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهِ، أَوْ كَمَثَلِ مَطَرٍ مُظْلِمٍ وَدَقُهُ تَحَدَّرَ مِنَ السَّمَاءِ تَحْمِلُهُ مُزْنَةٌ ظَلْمَاءُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَذَلِكَ هُوَ الظُّلُمَاتُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهَا فِيهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَخْبِرْنَا عَنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ، أَهُمَا مَثَلَانِ لِلْمُنَافِقِينَ أَوْ أَحَدُهُمَا؟ فَإِنْ يَكُونَا مَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ [البقرة: ١٩] وَأَوْ تَأْتِي بِمَعْنَى الشَّكِّ فِي الْكَلَامِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَكَصَيِّبٍ، بِالْوَاوِ الَّتِي تُلْحِقُ الْمَثَلَ الثَّانِي بِالْمَثَلِ الْأَوَّلِ؟ أَوْ يَكُونُ مَثَلُ الْقَوْمِ أَحَدُهُمَا، فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْآخَرِ بِأَوْ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَوْ إِذَا كَانَتْ فِي الْكَلَامِ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنَ الْمُخْبِرِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَقِيَنِي أَخُوكَ أَوْ أَبُوكَ، وَإِنَّمَا لَقِيَهُ أَحَدُهُمَا، وَلَكِنَّهُ جَهِلَ عَيْنَ الَّذِي لَقِيَهُ مِنْهُمَا، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ لَقِيَهُ؛ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ الشَّكُّ فِي شَيْءٍ أَوْ عُزُوبُ عِلْمِ شَيْءٍ عَنْهُ فِيمَا أَخْبَرَ أَوْ تَرَكَ الْخَبَرَ عَنْهُ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَأَوْ وَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ تَأْتِي بِمَعْنَى الشَّكِّ، فَإِنَّهَا قَدْ تَأْتِي دَالَّةً عَلَى مِثْلِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْوَاوُ إِمَّا بِسَابِقٍ مِنَ الْكَلَامِ قَبْلَهَا، وَإِمَّا بِمَا يَأْتِي بَعْدَهَا كَقَوْلِ تَوْبَةَ بْنِ


الصفحة التالية
Icon