فَإِذَا كَانَتِ الشُّهَدَاءُ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ جَمْعَ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ مُنْصَرِفٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ، فَأَوْلَى وَجْهَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَاسْتَنْصِرُوا عَلَى أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أَعْوَانَكُمْ وَشُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يُشَاهِدُونَكُمْ وَيُعَاوِنُونَكُمْ عَلَى تَكْذِيبِكُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُظَاهِرُونَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَنِفَاقِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي جُحُودِكُمْ أَنَّ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِلَاقٌ وَافْتِرَاءٌ، لِتَمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ وَغَيْرَكُمْ: هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَيَقْدِرُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ اخْتِلَاقًا؟ وَأَمَّا مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً: أَهْلُ إِيمَانٍ صَحِيحٍ، وَأَهْلُ كُفْرٍ صَحِيحٍ، وَأَهْلُ نِفَاقٍ بَيْنَ ذَلِكَ. فَأَهْلُ الْإِيمَانِ كَانُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُؤْمِنِينَ، فَكَانَ مِنَ الْمِحَالِ أَنْ يَدَّعِيَ الْكُفَّارُ أَنَّ لَهُمْ شُهَدَاءَ، عَلَى حَقِيقَةِ مَا كَانُوا يَأْتُونَ بِهِ لَوْ أَتَوْا بِاخْتِلَاقٍ مِنَ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّهُ لِلْقُرْآنِ نَظِيرٌ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَمَّا أَهْلُ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَوْ دُعُوا إِلَى تَحْقِيقِ الْبَاطِلِ وَإِبْطَالِ الْحَقِّ لَسَارَعُوا إِلَيْهِ مَعَ كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، فَمِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كَانَتْ تَكُونُ شُهَدَاؤُكُمْ لَوِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ؟ وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِثْلَ الْقُرْآنِ لَا يَأْتِي بِهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَلَوْ تَظَاهَرُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ؛ وَتَحَدَّاهُمْ بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ


الصفحة التالية
Icon