ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَ الْمِصِّيصَةِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: " يُؤْتَى أَحَدُهُمْ بِالصَّحْفَةِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِأُخْرَى فَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي أُتِينَا بِهِ مِنْ قَبْلُ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: كُلْ فَاللَّوْنُ وَاحِدٌ وَالطَّعْمُ مُخْتَلِفٌ " وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَذْهَبُ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ يَدْفَعُ صِحَّتَهُ ظَاهِرَ التِّلَاوَةِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَيُحَقِّقُ صِحَّتَهُ قَوْلُ الْقَائِلِينَ إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا﴾ [البقرة: ٢٥] فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مِنَ قِيلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ رِزْقًا أَنْ يَقُولُوا: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ. وَلَمْ يُخَصِّصْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ. فَإِذْ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّ -[٤١١]- ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي كُلِّ مَا رُزِقُوا مِنْ ثَمَرِهَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي أَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارِهَا أُتُوا بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِيهَا، الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُمْ مِنْ ثِمَارِهَا ثَمَرَةٌ. فَإِذْ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي أَوَّلِهِ، كَمَا هُوَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي وَسَطِهِ وَمَا يَتْلُوهُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيلِهِمْ لَأَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ: ﴿هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] هَذَا مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ. وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا لَأَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارِهَا وَلَمَّا يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ: هَذَا هُوَ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ؛ إِلَّا أَنْ يَنْسِبَهُمْ ذُو غِرَّةٍ وَضَلَالٍ إِلَى قِيلِ الْكَذِبِ الَّذِي قَدْ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، أَوْ يَدْفَعُ دَافِعٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ لَأَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْهَا مِنْ ثِمَارِهَا، فَيَدْفَعُ صِحَّةَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ صِحَّتَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا﴾ [البقرة: ٢٥] مِنْ غَيْرِ نَصْبِ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ حَالٌ مِنْ أَحْوَالٍ دُونَ حَالٍ. فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: كُلَّمَا رُزِقَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ رِزْقًا، قَالُوا: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ هَذَا فِي الدُّنْيَا. فَإِنْ سَأَلَنَا سَائِلٌ فَقَالَ: وَكَيْفَ قَالَ الْقَوْمُ: ﴿هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] وَالَّذِي رُزِقُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ عُدِمَ بِأَكْلِهِمْ إِيَّاهُ؟ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْجَنَّةِ قَوْلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: هَذَا مِنَ النَّوْعِ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا مِنَ الثِّمَارِ وَالرِّزْقِ، كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِآخَرَ: قَدْ أَعَدَّ لَكَ فُلَانٌ -[٤١٢]- مِنَ الطَّعَامِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَلْوَانِ الطَّبِيخِ وَالشِّوَاءِ وَالْحَلْوَى، فَيَقُولُ الْمَقُولُ لَهُ ذَاكَ: هَذَا طَعَامِي فِي مَنْزِلِي. يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُ مِنَ الطَّعَامِ هُوَ طَعَامُهُ، لِأَنَّ أَعْيَانَ مَا أَخْبَرَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّهُ لَهُ هُوَ طَعَامُهُ. بَلْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِسَامِعٍ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَرَادَهُ أَوْ قَصَدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافَ مَخْرَجِ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمُ؛ وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ إِلَى الْمَعْرُوفِ فِي النَّاسِ مِنْ مَخَارِجِهِ دُونَ الْمَجْهُولِ مِنْ مَعَانِيهِ. فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] إِذْ كَانَ مَا كَانُوا رُزِقُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ فَنِيَ وَعَدِمَ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِذَلِكَ هَذَا مِنَ النَّوْعِ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَمِنْ جِنْسِهِ فِي السِّمَاتِ وَالْأَلْوَانِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا